وبعد تكهنات واسعة على مدى الايام الاخيرة حول ما اذا كان مبارك سيحضر بالفعل المحاكمة ام لا، وصل مبارك قرابة الساعة التاسعة والنصف بالتوقيت المحلي (07,30 تغ) الى اكاديمية الشرطة (شرق القاهرة) التي شاء القدر ان تجري محاكمته فيها بعد ان كان اسمها قبل اقل من ستة اشهر "اكاديمية مبارك للامن".
ووسط اجراءات امنية مشددة، تم نقل مبارك في طائرة اسعاف من مستشفى شرم الشيخ حيث تم احتجازه احتياطيا منذ نيسان/ابريل الماضي، الى اكاديمية الشرطة.
ودخل مبارك قفص الاتهام على سرير طبي نقال بعد ان سبقه اليه نجلاه علاء وجمال اللذان كان كل منهما يمسك بكتاب يرجح انه مصحف.
وفيما كان ولداه يحاولان الوقوف امامه داخل القفص لاخفائه عن كاميرا التلفزيون المصري التي نقلت المحاكمة على الهواء، كان المئات من اسر ضحايا الانتفاضة يتجمعون امام بوابة اكاديمية الشرطة لمتابعة المحاكمة على شاشة عملاقة وهم يهتفون "الحرامية اهم .. المجرمين اهم".
وبدا الرئيس المصري السابق، الذي حكم مصر بلا منازع وبيد من حديد طوال ثلاثين عاما قبل ان تسقطه الانتفاضة في 11 شباط/فبراير، في كامل وعيه واجاب بصوت متماسك وواضح، عبر مكبر صوت، على رئيس المحكمة القاضي احمد رفعت مرتين في الاولى عندما نادى عليه لاثبات حضوره قائلا: "افندم، انا موجود".
ثم اجاب على القاضي مرة اخرى عندما سأله عن رأيه بالاتهامات التي وجهها اليه ممثل النيابة قائلا "انا انكر كل الاتهامات تماما".
وبعد جلسة اجرائية عادية، قرر رئيس المحكمة استئناف نظر قضية مبارك في الخامس عشر من اب/اغسطس الجاري بعد ان استمع الى طلبات محامي المتهمين وتلك التي تقدم بها محامو المدعين بالحق المدني وهم اسر الضحايا.
وامر القاضي بايداع مبارك مستشفى المركز الطبي العالمي الواقع شرق القاهرة غير بعيد عن مقر المحاكمة ليتسنى نقله لحضور بقية الجلسات.
كما وافق على ان يقوم طبيب متخصص في الاورام بمتابعة حالة مبارك الصحية مع فريقه الطبي "كلما استلزم الامر ذلك".
وكان ممثل النيابة العامة تلا قرار اتهام مبارك مؤكدا انه اتفق مع وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي على "قتل عدد من المتظاهرين السلميين لدفع الاخرين الى التفرق" وانهاء التظاهرات السلمية المطالبة برحيله.
كما اتهمه بقبول "عطية" ممثلة في 5 فيلات قيمتها تزيد عن 39 مليون جنيه في مدينة شرم الشيخ من رجل الاعمال حسين سالم، الذي يحاكم غيابيا في نفس القضية، مقابل منحه مساحة كبيرة من "الاراضي في اكثر المناطق تميزا في شرم الشيخ (..) واسناد امر بيع وتصدير الغاز الطبيعي المصري لاسرائيل بسعر ادنى كثيرا من سعر السوق الى شركة البحر المتوسط التي يمثلها (حسين سالم) ويستحوذ على معظم اسهمها" ما ادى الى هدر الاموال العامة.
واعتبرت جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة في عهده ان محاكمة مبارك "انتصار" للشعب وينبغي ان تسهم في تعزيز الثقة بالجيش الذي يتولى شؤون البلاد منذ 11 شباط/فبراير.
واعربت الولايات المتحدة الاربعاء عن "ثقتها" بان محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ستكون "عادلة وشفافة".
وصرح مارك تونر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية للصحافيين "بالطبع سنتابع المحاكمة عن كثب".
واضاف "من المهم جدا ان تكون المحاكمة حرة وشفافة .. ونزيهة".
وتابع "لدينا ثقة بانهم قادرون على فعل ذلك .. ونعتقد ان السلطات المصرية قادرة على اجراء محاكمة نزيهة في هذه القضية. وان القيام بذلك منوط بهم في الحقيقة".
وبدا ان المصريين وخصوصا الشباب الذين شاركوا في الثورة ورأوا اصدقاءهم يقتلون الى جوارهم غير مصدقين لما يرونه بأعينهم.
وقال احمد وهو عامل في ورشة لاصلاح السيارات في الحادية والثلاثين "اصحابي قتلوا بجواري في التحرير، لكن الله كتب له العمر لكى ارى اليوم الذي يجلس فيه مبارك داخل القفص".
وكان احمد يقف امام البوابة الرئيسية لاكاديمية الشرطة حيث تجمع قرابة 1500 معظمهم من اسر الضحايا لمتابعة المحاكمة على شاشة كبيرة وضعوا اسفلها لافتة مرسوم عليها مبارك موضوعا في مشنقة ومكتوب عليها "الاعدام للسفاح".
وسقط قرابة 850 قتيلا، غالبيتهم العظمى من الشباب، خلال الانتفاضة التي اندلعت في 25 كانون الثاني/يناير للمطالبة ب "الخيز والحرية والعدالة الاجتماعية" وانتهت بعد 18 يوما بتنحي الرئيس السابق وتولي القوات المسلحة السلطة في البلاد.
وظل مبارك، الذي ارتدى ملابس بيضاء وفق ما يقضي القانون بالنسبة للمحبوسين احتياطيا، راقدا على السرير النقال طوال جلسة المحاكمة التي استغرقت اكثر من ثلاث ساعات ونصف ساعة.
وكان الرئيس السابق يضع ذراعه على جبينه معظم الوقت لاخفاء وجهه عن الكاميرات.
اما جمال مبارك فكان يقف معظم الوقت امام والده وينحني بين الحين والاخر ليتحدث معه بينما وقف بجواره شقيقه علاء الذي كان يتحرك كثيرا وينظر الى الامام تارة والخلف تارة اخرى ويجلس احيانا على مقعد داخل القفص.
وهذه هي المرة الاولى التي يلتقي فيها علاء وجمال مبارك والدهما منذ حبسهم جميعا احتياطيا في نيسان/ابريل الماضي اذ اودع مبارك في مستشفى شرم الشيخ لاسباب صحية بينما نقل ولداه الى سجن مزرعة طره في القاهرة.
وتضاربت المعلومات خلال الشهور الاخيرة حول الحالة الصحية لمبارك الذي اجرى في العام 2010 جراحة قيل انذاك انها لاستئصال زائدة لحمية في الحوصلة المرارية.
وقال محاميه فريد الديب في حزيران/يونيو الماضي انه يعاني من سرطان في المعدة وهو ما نفته وزارة الصحة.
ويحاكم امام المحكمة نفسها وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي وستة من كبار معاونيه السابقين المتهمين جميعا بقتل المتظاهرين. وقرر القاضي استئناف نظر هذه القضية الخميس.