محلة البتاويين تحتضن خليطا سكانيا يبدو لأول وهلة غير متجانس، سواء لجهة سكانها القدامى من اليهود الذين لا يزال يوجد كنيسهم (معبدهم) فيها، أو سكانها من المسيحيين، وحاليا من نحو عشرين سنة السودانيين، ذلك أنه تقيم في هذه المنطقة اليوم أكبر جالية سودانية في العراق. ولكي يكتمل التنوع اللافت في هذه المنطقة، التي تمتد أيضا بمحاذاة شارع السعدون.. ثاني أشهر شارع في العاصمة بغداد، بعد شارع الرشيد، فإنها تحتوي على عدد من الفنادق التي تعود ملكيتها لمواطنين أكراد وتحمل أسماء كردية.. مثل زوزك وسفين وبخيال وكويسنجق، وغيرها من الأسماء.
البتاويين باختصار خليط قد لا يبدو متجانسا في ظاهره، غير أنه يعبر عن ظاهرة اجتماعية من نوع خاص.
بمجرد الدخول إلى حي البتاويين من جهة ساحة النصر، باتجاه ساحة الطيران - وكلها في قلب بغداد - تنتشر المحلات والأشغال التي يقوم بها مواطنون جاءوا من السودان، بدءا من إصلاح الأحذية، وانتهاء بمحلات البقالة، مرورا بالنجارة وكل الأعمال ذات الطابع الخدمي. وعند التجوال في أزقة المنطقة كان السؤال الأهم الذي طرحته «الشرق الأوسط» على المواطنين السوادنيين الذين التقيناهم.. هل أنت من الشمال أم الجنوب؟ وفي حين كانت الإجابات متفاوتة، تبين أن الغالبية شماليون ونسبة عالية منهم من العاصمة الخرطوم، مع وجود نسبة لا بأس بها من السودانيين الجنوبيين.
ومن خلال الحوارات التي أجريناها بدا أن معظم السودانيين المقيمين والعاملين في هذه المنطقة من بغداد، غير معنيين بما حصل على صعيد انفصال الجنوب وإعلانه دولة مستقلة. الدكتور الهادي سليمان، سكرتير عام الجالية السودانية في العراق، قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «إن السودانيين في العراق، شماليين وجنوبيين، لم يشملوا بالاستفتاء الذي أجري في السودان». وعند سؤالنا عما إذا كان هذا الأمر تعبيرا عن قرار سياسي أم هو مجرد عملية إجرائية، أجاب: «لا نعرف بالضبط إن كان ما حصل قرارا سياسيا أم لأسباب تنظيمية، غير أن الاحتمال المرجح هو أن السبب عدم وجود تمثيل دبلوماسي كامل للسودان في العراق، ولكن جرى الآن تعيين مستشار من الخارجية السودانية في العراق كجزء من إعادة العلاقات الدبلوماسية».
وحول دور الجالية السودانية في هذا المجال، ودوره هو شخصيا، قال سليمان شارحا: «دورنا يتمثل في كوننا حلقة وصل بين السودانيين في العراق وبين السفارة والحكومة العراقية، ولا سيما في قضايا الإقامة وبعض الأمور المختلفة الأخرى». وطلب سليمان، الذي يعد لمناقشة رسالة الدكتوراه في الجامعة الإسلامية في الأعظمية عن «الأحاديث التي تفرد بها الإمام الزهري»، من «الشرق الأوسط» توصيل صوت «أبناء الجالية السودانية في العراق، وفي هذه المحلة بالذات، الذين يقدر عددهم بأكثر من 1300 سوداني من بينهم 30 عائلة، إلى المسؤولين العراقيين لجهة البت بقضية الإقامة.. التي تطول أحيانا لنحو ثمانية إلى تسعة أشهر، بينما كانت في السابق لا تستغرق أكثر من يوم أو يومين».
من جهة ثانية، قال أوليفر إدريس، وهو من أبناء جنوب السودان، ويشغل منصب أمين عام الشؤون الخارجية للجالية السودانية في العراق، لـ«الشرق الأوسط» موضحا: «أنا مواطن سوداني فقط، بصرف النظر عما حصل خلال الاستفتاء الذي ترتب عليه إعلان دولة السودان الجنوبي. هذه مسألة لم نناقشها في هذه المرحلة كسودانيين في العراق يوحدنا هم واحد، مع أننا لا نشعر بغربة بين إخواننا العراقيين»، وأردف: «السودان بالنسبة لنا الآن في العراق هو السودان.. لا شمالي ولا جنوبي».
والتقينا مواطنا سودانيا اسمه عبد الله، قال إنه «شمالي من الخرطوم»، وذكر أنه جاء إلى العراق واستقر فيه منذ 20 سنة، وهو يدير محلا لبيع الخضار والفواكه، وهو لا يريد مطلقا أن يشغل باله بقضايا السياسة.. والشمال أو الجنوب. والشيء ذاته تطرق إليه محمود عبد الحكيم، الذي يدير مع زوجته «أم طاهر» متجرا للمواد العطارية المختلفة.
ولكن، تبقى عند الجالية السودانية في محلة البتاويين هموم وانشغالات خاصة، إذ قال لنا مواطن اسمه الأول عبد الله، مضى على وجوده في العراق نحو 21 سنة، ولم يتزوج بعد، إن من الأسباب التي تحول دون ذلك «أنني لم أعثر بعد على بنت الحلال، علما بأن هناك زيجات متبادلة في العراق بين السودانيين والعراقيين». وفصل: «إن نسبة زيجات السودانيين الذين يعرفهم في العراق هي 70 في المائة من عراقيات مقابل 30 في المائة يأتون بزوجاتهم معهم من السودان».