يعد التزامن بين الذكرى الثامنة للحرب على العراق، والتى شنتها قوات
التحالف الغربى بقيادة أمريكية بريطانية- فى مارس2003- من ناحية، والهجمات
التى يشنها الغرب حاليا على ليبيا من ناحية أخرى،
من المفارقات
المهمة، خاصة إذا تلازم هذا التزامن مع تشابه كبير فى الأهداف والدوافع
المعلنة من قبل القيادات القائمة على العمليات العسكرية فى الحالتين، والتى
تمركزت معظمها حول إعلاء راية الديمقراطية فى المنطقة، وإسقاط الأنظمة
الديكتاتورية الحاكمة، بالإضافة إلى مجابهة الانتهاكات التى ارتكبتها تلك
الأنظمة ضد مبادئ حقوق الإنسان.. ويمكننا فى هذا الإطار أن نضيف ماأعلنته
الإدارة الأمريكية السابقة، إبان حربها على العراق، حول إعادة رسم خريطة
الشرق الأوسط، فيما سمى آنذاك بـ"الشرق الأوسط الجديد".
ومن هنا يثور التساؤل حول المصير، الذى ينتظر الدولة الليبية فى المرحلة
القادمة، فى ظل تشابه كبير فى الظروف التى أحاطت بالبلدين.. فمن جهة
الأنظمة الحاكمة نجد أن كلا من نظام العقيد القذافى ونظام الرئيس صدام حسين
قد قام على أساس سلطوى ديكتاتورى، يرفض التعددية السياسية والحزبية،
وبالتالى مبدأ تداول السلطة.. كما اعتمد كل منهما كذلك على قمع كل من تسول
له نفسه بالتمرد أوالخروج على النظام.. أما من جهة التركيبة الاجتماعية
للبلدين نجد أن هناك أيضا تشابها كبيرا من حيث تعدد مايمكننا تسميته
بـ"الانتماءات الضيقة"والمتمثلة فى القبائل أو الطوائف العرقية والدينية،
والتى تتغلب أحيانا على الانتماء للكيان الأكبر المتمثل فى الدولة، وهوما
قد يزرع بذور الانقسام داخلها فى حالة سقوط الأنظمة القمعية الحاكمة.. وهو
ما يعد السبب الرئيسى، من وجهة نظرى، فى تدمير مؤسسات الدولة العراقية،
ووضعها فى إطار"الدول الفاشلة"منذ ثمانية أعوام، وهو نفس المصير الذى قد
يكون فى انتظار ليبيا خلال السنوات القادمة.
فى الواقع أن سقوط الدولة العراقية وانهيار مؤسساتها كان سببا رئيسيا
لزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومنطقة الخليج بشكل خاص.حيث
أصبحت العراق مقرا للحركات الدينية المتشددة وميليشياتها العسكرية، كما كان
أيضا سببا رئيسيا فى الصعود الإيرانى والذى تحولت إيران-على إثره-إلى قوى
إقليمية ذات نفوذ، مما أجج مايسمى بـ"الصراع العربى– الفارسى" نتيجة
للإفراط الإيرانى فى استخدام لغة التهديد تجاه جيرانها العرب، مما أدى إلى
تزايد المخاوف العربية تجاه الحلم الفارسى التوسعى، والقائم على إعادة
تأسيس إمبراطورية فارس على أنقاض الكيان العربى المتفكك.
فى ظل التشابه الكبير بين الحالة العراقية ونظيرتها الليبية، نجد أن سقوط
الدولة الليبية يمثل منعطفا خطيرا قد يهدد الاستقرار الأمنى فى المنطقة
ككل، خاصة مع تزايد حدة التوترات التى تشهدها دولها خلال السنوات الأخيرة،
وهو ماسيفتح الباب أمام إسرائيل– القوى التوسعية الأخرى بالمنطقة- لمزيد من
التغلل فى الكيان العربى وإضعافه.بالإضافة إلى أنه يعد تهديدا خطيرا لأمن
واستقرار منطقة جنوب المتوسط، والتى تمر دولها بظروف، ربما لم تمر بها منذ
عقود طويلة، خاصة فى ظل احتمالات كبيرة فى أن يتحول نظام الحكم فى ليبيا
إلى النظام القبلي، وهو ماقد يضعها على طريق التقسيم، والذى يمثل تهديدا
بالغا للكيان العربى وأمنه القومى واستقراره.
أعتقد أن هناك حاجة ملحة لدور دبلوماسى قوى وملموس للدول العربية البارزة
ذات الثقل الدبلوماسى والاقتصادى للعمل، تحت راية الجامعة العربية، على
توحيد الموقف العربى حول كيفية مواجهة التداعيات المتوقعة لسقوط النظام
الليبى، كما أن الجامعة العربية لابد أن تعيد النظر فى دورها خلال المرحلة
القادمة، من خلال نبذ حالة الانقسام التى عاشتها الأمة العربية خلال
السنوات الأخيرة، وإعادة إحياء مسألة الأمن القومى العربى وكيفية الحفاظ
على استقرار وأمن الكيان العربى فى مواجهة كافة التهديدات المحيطة به.