إذا لم تحقق الثورة الكرامة للمواطن المصري فلماذا قامت؟ وإذا لم تحقق الحرية والعدل والعدالة فمن أجل ماذا كان الشهداء وكانت التضحيات؟ وإذا انشغل عنا برلمان ما بعد الثورة ولم ينشغل بنا، يكون الشعب قد بدأ رحلة اليأس من التغيير وخسران الخيار الديمقراطي، وإذا لم تكن لعبة التعددية السياسية بين أغلبية ومعارضة هدفها المنافسة المشروعة على أمن الناس وسلامهم وتطلعهم إلى مستقبل أفضل، ينقلهم من حال الاستبداد السياسي والإفقار الاجتماعي، والفساد المقنن في كل تفاصيل الحياة، فقل على الثورة السلام وأهلا بدورة جديدة من المقاومة حتى انتزاع الحق في الحرية والعيش الكريم.
أقول قولي هذا وأنا تنتابني مشاعر متداخلة ما بين متابعة سيرك الانتخابات الرئاسية بكل تفاصيله، وبين ما جرى لعدد كبير من الشباب، الذين تعرضوا للعنف المفرط والإهانة المتعمدة والحط من الكرامة والانتقام، الذي لا تمارسه إلا العصابات، لا دولة القانون، في أحداث العباسية يوم الجمعة قبل الماضي.
في سيرك الانتخابات الرئاسية تستغرقنا الوعود الزائفة قبل البرامج، والترويج للأشخاص قبل الأفكار، ومخاطبة غرائز الناخبين قبل عقولهم، وتنتهك جهارا نهارا كل قواعد الحد الأدنى لانتخابات محترمة تجرى بعد ثورة عظيمة، فلا حرمة للمساجد، التي تحولت إلى ماكينات للدعاية وككل الانتخابات السابقة في الشعب والشورى تحول الدين الذي لا بد أن يكون إيماننا به مطلقا إلى سياسة فيها نتحزب ونختلف فيضيع الدين ونخسر السياسة، ويتهم البعض منا الآخر بالكفر والإلحاد والخروج عن الملة، وفيها أيضا نرى التمويل الخارجي والداخلي للحملات الانتخابية على رءوس الأشهاد لشراء رئيس لمصر، يكون ولاؤه لمن دفع وليس لإرادة من انتخب، وأخذتنا البرامج والفضائيات والمناظرات الموجهة واستوديوهات التحليل واستطلاعات الرأي غير العلمية، واستعراضات القوة المنظمة، والمشاهد المؤذية لشراء أصوات الفقراء بكل الوسائل التي تهين كل نبل ما جرى منذ 25 يناير، وتحذرنا من الذي ينتظرنا.
أخذني من هذا السيرك الكبير التقرير الذي كتبه وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن زيارتهم لسجن طرة للتعرف على حالة المحبوسين احتياطيا على ذمة قضية العباسية، والموجودين بثلاثة سجون داخله، وعددهم 240 محبوسا، والذي أشار إلى أن الملابس التي يرتدونها تم توزيعها عليهم قبل وصول الوفد بساعة، وأنهم ظلوا لمدة ستة أيام بملابس قذرة لم يتمكنوا من تغييرها، وأنهم وجدوا عددا منهم به إصابات ظاهرة في الرأس، وإصابات بالغة في أنحاء الجسم ناتجة عن الضرب أثناء القبض عليهم، واعتداءات وآثار في الجلد ناتجة عن الصعق بالكهرباء من قبل الشرطة العسكرية، وتعرضهم للتهديد بالاغتصاب، وسبهم بأفظع الألفاظ، وأخذت أموالهم وصودرت هواتفهم، وإن بعض ضباط مباحث السجن عاملوهم بقسوة، وأكد التقرير أن عددا من المحبوسين لم يشاركوا في المظاهرات، وتواجدوا بالصدفة في العباسية، منهم عمال وطلبة، رغم صدور قرار بالإفراج عنهم، وأكد بعض المحبوسين أن ضابط شرطة عسكرية أدلوا باسمه ورتبته، قام بضرب المعتصمين داخل مسجد النور أثناء القبض عليهم، وأن من بين المحبوسين مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية"، الذين تم القبض عليهم أثناء متابعتهم للتحقيقات مع المتهمين في قضية العباسية، وأنهم لم يشاركوا في أي محاولة لاقتحام وزارة الدفاع، كما لاحظ الوفد وجود أحد المحتجزين وهو معاق، مبتور الساقين، وآخر يعاني من مرض نفسي، والطبيب صلاح شعراوي الذي كان يمارس عمله في المستشفي الميداني!!
التقرير يطالب بضرورة توفير الرعاية الصحية للمحبوسين، خاصة أن هناك إصابات خطيرة لبعضهم والتحقيق في وقائع التعذيب ومحاكمة مرتكبيها وإثبات الإصابات والمتسبب فيها والإفراج عن المقبوض عليهم عشوائيا، والإفراج الفوري عن الطلاب.
يا أيها السادة الساعون للتكويش على السلطة أو المشاركة في تورتة كراسي الحكم، يا أيها اللاهون في سيرك الانتخابات الرئاسية، و يا أيها المختلفون في التقدير مع كل الذين ذهبوا للعباسية. إذا لم يكن ذهابنا المتكرر إلى صناديق الاقتراع يحقق لنا الديمقراطية، ويأتي لنا بالكرامة، نكون قد شاركنا جميعا في أكبر عملية تزييف وتزوير لإرادة شعب فانتبهوا لما هو قادم ولا تصمتوا على هذه الجرائم.