ورغم اختلاف شكل ومرجعية وأهداف كل واحد من هذه المؤتمرات واللقاءات، فإنها تعكس روحا سورية جديدة، أساسها اهتمام السوريين بواقع ومستقبل بلدهم، ذلك أن هدفها جميعا كان البحث في واقع الأزمة السورية ومستقبلها، أو في أحد العناوين الفرعية المتصلة بالموضوع الأساسي، وهو أمر يمثل تحولا إيجابيا في تعامل السوريين مع شأنهم الوطني العام بغض النظر عن رؤية كل طرف أو مجموعة ونظرتها إلى الشأن الوطني الذي يعاني اليوم من انشقاق أساسي بين السلطة والحراك الشعبي، فيما يعاني من اختلافات وافتراقات داخل كل واحد من الفريقين في حراكهما السياسي.
أهمية المؤتمرات واللقاءات في جانب آخر، أنها تعبير عن خيار سوري مختلف عن الخيار الذي تتابعه السلطات السورية في تعاملها مع الوضع الحالي وتطوراته باعتمادها الخيار الأمني - العسكري الذي قام على العنف والقوة الأمنية قبل أن يتطور لاحقا باتجاه الأقصى عبر إدخال الجيش وقوى مدنية تمثل جماعات الشبيحة على خطه، مما زاد في استخدام العنف والقوة بإضافة حالات الحصار واجتياح المناطق والاعتقالات الواسعة وتهجير بعض السكان إلى تركيا ولبنان، وفي الحالتين وقع قتلى وجرحى وارتفعت أعداد المعتقلين والمطلوبين. والتقديرات أن عشرات آلاف الأشخاص هم في عداد ضحايا الخيار الأمني - العسكري، باستثناء ما ترتب على ذلك من خسائر مادية واجتماعية ونفسية، تركت آثارها على عموم السوريين وبلدهم، وكلها مقدمات تضع سوريا أمام منزلقات خطيرة.
لقد زادت الظروف المحيطة بخيار الحل الأمني - العسكري من الحاجة إلى ذهاب السوريين إلى خيار سياسي لمعالجة الوضع القائم ومحاصرة احتمالات انزلاقاته سواء باتجاه الصراعات الداخلية أو التدخلات الخارجية، أو الاثنين معا، ومما لا شك فيه، أن المؤتمرات واللقاءات تشكل محورا أساسيا في خيار الحل السياسي، ولا سيما في ظل حقيقة أن الخيار الأمني لم يؤد إلى النتيجة المطلوبة، وأنه أثبت فشله في ظل توسع حركة التظاهر وزيادة عدد المشاركين فيها إلى جانب تشدد متزايد في شعارات وهتافات المتظاهرين والمحتجين.
غير أن أهمية وضرورة انعقاد المؤتمرات واللقاء في إطار الواقع السوري، لا يعني أنها تتم دون مشاكل جدية، والأساس في هذه المشاكل أمران؛ الأمر الأول أنها سلوك وممارسات غير دارجة في الحياة السورية ولا سيما في كثافتها وتعددها الحاليين أو في الموضوع الذي تعالجه أو هي تتصدى لبعض تفصيلاته. والأمر الثاني، عدم وجود إرث لهذه الظاهرة في الحياة السورية، وبالتالي فإن ثمة غموضا وحذرا من الناحيتين الرسمية والشعبية حيال هذه الظاهرة بمجرياتها ونتائجها، ويندرج في هذا الإطار موقف الجماعات السياسية بما فيها جماعات وأحزاب المعارضة، التي تنضم إلى سابقيها الرسمي والشعبي في اتخاذ موقف حذر وناقد إزاء ما أقيم من مؤتمرات ولقاءات في الأشهر الماضية. وبصورة عامة، فإن السوريين، وهم يسعون إلى فهم ومعالجة الوضع في بلادهم من خلال المؤتمرات واللقاءات، إنما يؤكدون ميلهم إلى معالجة سياسية تخرج ببلادهم من أزمتها ومن مسار الحل الأمني - العسكري الذي يجري تطبيقه، ولا يقلل من أهمية هذه الأنشطة ما يحيط بها من مشاكل التنظيم والإعداد وسوء الإدارة التي تحيط بها، ومن ردود فعل ومواقف شديدة القسوة والعنف تصدر عن أطراف مختلفة بدرجات متفاوتة، ذلك أن هذه التجربة بجدتها ومحتوياتها ونتائجها، تمثل تمرينا عمليا على نهج جديد وتمرينا على الحوار والتوافق للوصول إلى معالجات تتعلق بالمسألة الوطنية بخلاف ما ساد في الحياة السورية من نفي وتغييب للأطراف الأخرى التي تملك مواقف ووجهات نظر وصولا إلى استخدام للعنف والقوة ضدها خاصة، وفي معالجة الأمور عامة.
* معارض سوري