أزمات تنموية بسبب فشل المؤسسة السياسية في وضع السبل لتوزيع عادل للثروة ومن بعدها السلطة، لمس آخرون مواضع حساسة هي بالأساس مكمن داء الدولة السودانية الحقيقي. وعلى الرغم من محاولات البحث المتواصلة لمعرفة ما إن كانت الحكومات السودانية المتعاقبة قادرة على تعديل صورة ظلت مقلوبة منذ استقلال البلاد في العام 1956؟ اتفق محللون على أن نتائج البحث لن تخرج عن إجابة واحدة وهي أن المؤسسة السياسية لا تزال فاشلة في إدارة تنوع السودان. ويعتقد بعضهم أن قوانين ومواقف وسياسات هي من أججت صراع التنوع بمسمياته المختلفة دون أن توجد معالجة لصهره في بوتقة واحدة لمصلحة الوطن بكامله. ضد التنوع أستاذ القانون بجامعة النيلين عبد الكريم محمد عبد الكريم اعتبر أن هناك قوانين لعبت دورا كبيرا في تدمير التنوع الإيجابي في البلاد، مذكرا بقانون المناطق المقفولة الذي خلق شخصية عدائية في الجنوب تجاه الشمال. يضاف إلى ذلك -يقول عبد الكريم- ما عرف بقوانين سبتمبر التي استثنت الجنوب من تطبيق الشريعة فهيأت الأرضية للتمايز الديني والتشريعي والإثني بالإضافة إلى بروتوكول مشاكوس الذي عزز الفشل في إدارة التنوع بتحويله الجنوب إلى جزيرة علمانية والشمال إلى أخرى إسلامية. ورأى في حديثه للجزيرة نت أن التعامل لم يكن يتجاوز الاعتراف إلا بالخطاب اللطيف الذي يؤسس لحوار يستهدف خلق قناعات مشتركة من أجل الحفاظ على سلامة التنوع بالبلاد. فقدان العوامل أما أستاذ العلوم السياسية عوض أحمد سليمان فقال إن فقدان العوامل المنظمة للتنوع بالسودان كالمشاركة في السلطة والمساواة أمام القانون والعدالة والترقي وكل المظاهر المرتبطة بالدولة الحديثة جعلت من السودان نموذجا لسوء إدارة التنوع. وأكد تلازم سمتي السيطرة والعجز التي تمثلت في سيطرة الوسط النيلي ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعجزها عن استيعاب حاجات الأطراف الأخرى في الاقتصاد والسلطة والتنمية. واعتبر في تعليقه للجزيرة نت أن السياسة السودانية عجزت عن وضع القوانين التي تستوعب التنوع وتحقق الرضا الوطني، مما أدى إلى فشل ذريع ومتوارث في كيفية إدارة الدولة الأم. وقال إن الحكومات السودانية عززت -بدون وعي- نموذج المركز القابض بدكتاتورية سياسية واقتصادية غير مبررة، مشيرا إلى أن العدالة ظلت النقطة المحورية في فشل إدارة التنوع، وإلى تخلي الدولة عن وظيفتها الأساسية في حماية التنوع ورعايته لتتحول إلى دولة تسعى للتربح وتحقيق الذات. أفكار إقصائية فيما لفت أستاذ الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة النيلين محمد إسماعيل إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تستخدم التنوع استخداما راشدا "فبدلا من أن يكون (السودان) دولة عظمى تحول إلى دولة ممزقة ومضطربة. وعزا فشل السودان في إدارة التنوع "لوجود أفكار إقصائية أججت صراع الهويات وحولت الحروب في بعض الأحيان من أهلية إلى دينية"، مشيرا إلى أن الأطماع الخارجية "التي وجدت لها مدخلا بسبب عجز الحكومات الوطنية عن سد الفراغ". واعتبر انفصال الجنوب "قمة التعبير عن فشل إدارة التنوع في السودان"، مشيرا إلى وجود جهل اجتماعي كبير بأهمية التنوع واحتياجاته وقضاياه. وأكد للجزيرة نت "أن المجتمع لا يزال يدعي المصير المشترك مع الكيانات الأخرى، لكنه في ذات الوقت يعيش حالة تعال عرقي وإثني وثقافي" معتبرا أن بعضا من المناهج التعليمية رسخت لهذا الأمر. وقال للجزيرة نت "إن المركز اختزل الهويات في إرضاء بعض النخب الاجتماعية والثقافية وأهمل احتياجات التنوع الأساسية كالتنمية والعدالة الاجتماعية"، موضحا أن ما يحدث للبلاد من أزمات "دليل على عدم الاعتراف بالفشل في إدارة الشعوب السودانية".