في الجنوب. وتتباين الصورة بين طرفيها الشمالي والجنوبي في سمتين عامتين: الأولى أن الشمال سيخسر عائدات نفطية ضخمة بسبب وجود القسم الأكبر من الحقول النفطية في الجنوب. والثانية أن الجنوب كان ولا يزال يعاني من صراعات داخلية مسلحة ستعرقل جهوده لبناء دولة من الصفر. صحيح أن إعلان انفصال السودان يوم السبت الماضي استنادا إلى استفتاء حق المصير المنصوص عليه في اتفاقية السلام في نيفاشا 2005 تم بهدوء، إلا أن تحت هذا القناع الهادئ توجد عواصف مرشحة للهبوب في أي لحظة والسبب ببساطة النفط. الواقع العملي ومن هذا التصور، يقول جون بندرغاست مدير ومؤسس مشروع "كفى" -وهي منظمة أميركية معنية بالشؤون الأفريقية وتحديدا في شرق القارة- إن مراسم إعلان الانفصال في جوبا مجرد رمز بروتوكولي لا يشكل واقعا عمليا طالما أن الإعلان ولد ناقصا بسبب غياب أي اتفاق بين الشمال والجنوب على مسألة ترسيم الحدود التي تعني بشكل غير مباشر العوائد النفطية. لأن ترسيم الحدود -كما يقول المراقبون- هو الخط الذي سيمنح أيا من الطرفين السيادة على حقول النفط وبالتالي الحق القانوني في استثمار هذه العوائد والاستفادة منها عبر التعاقد مع الشركات الكبرى التي تقف منتظرة هذا الحدث بفارغ الصبر. وما يضفي حالة من التشاؤم باحتمال قرب التوصل لسلام حقيقي بين الشمال والجنوب، أن الهيئة العليا من أجل السودان في الاتحاد الأفريقي أصدرت وثيقة من ست صفحات تفصل لائحة في الاتفاقات بين الطرفين والقضايا العالقة دون أن تحدد تواريخ معينة لاستئناف المفاوضات. وبقراءة هذه الوثيقة، يتبين للجميع أن أبيي -المنطقة الغنية بالنفط- تنتظر الاتفاق على مسألة السيادة، ونقل القوات خارج المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح، وآلية تسديد الجنوب نفقات نقل النفط عبر أنابيب الشمال، إلى جانب قضايا عامة تتصل بتقاسم مياه النيل وإصدار عملة جديدة في الجنوب. المشكلة والحل إذن النفط هو الحل والمشكلة في نفس الوقت، فالخرطوم ستخسر جزءا كبيرا من حقول النفط وبالتالي فقدان التمويل المالي اللازم لتطوير الاقتصاد وبناها التحتية، في الوقت الذي لديها ما يكفيها من المشاكل السياسية ليس أقلها بالتأكيد العقوبات الأميركية والمذكرة الدولية بحق الرئيس عمر حسن البشير. ولهذا السبب يحذر المراقبون المتابعون للشأن السوداني -قبل وبعد الانفصال- من أن المناخ الهادئ بين جوبا والخرطوم قد لا يستمر طويلا ما لم يعمل المجتمع الدولي -وتحديدا الولايات المتحدة- لدعم السلام، والأولوية في ذلك يرتبط بقيام واشنطن بشطب السودان من لائحتها لدعم الإرهاب. فالحكومة السودانية -إذا شعرت بالخيبة من الموقف الغربي- قد تدير ظهرها للغرب كليا وتتجه نحو محاور سياسية معادية للغرب مثل إيران. الولادة الناقصة بالمقابل، لا يبدو الموقف أحسن حالا في الجنوب حيث تواجه الدولة الجديدة مشاكل تفوق الشمال بكثير لأنها مطالبة ببناء دولة مستقلة من الصفر في جو من الصراع الداخلي والتقاتل القبلي واستقطابات عرقية وعشائرية لا تنذر بطقس خال من المطبات والعواصف. يضاف إلى ذلك أيضا ضعف البنية الاقتصادية واستشراء الفساد والجماعات المسلحة وأخطرها على الإطلاق جيش الرب الأوغندي. وبالتالي، إذا لم يحسم الطرفان مسألة الحدود -أي مسألة حقول النفط- سيبقى الحل السلمي مؤجلا إلى إشعار آخر، مما يعطي الفرصة لأنواع أخرى من الحلول لتسد الفراغ الناشئ على الحدود التي تتضمن أصلا العديد من الأسباب القابلة للانفجار في أي وقت.