عدي جوني-إسطنبولتوارى الضجيج الانتخابي في تركيا التي جددت لحزب العدالة والتنمية بواقع 49.9% من الأصوات وحملته مسؤولية إدارة البلاد لأربع سنوات مقبلة يتوقع المراقبون لها أن لا تكون سهلة بسبب الظروف الداخلية والإقليمية.وبلغة
الأرقام، حصل حزب العدالة والتنمية على 326 مقعدا من أصل 550 أي أقل من نسبة الثلثين التي كان يطمح لها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتغيير الدستور وأقل من معدل 330 مقعدا لإجراء استفتاء دستوري.
أي أن أردوغان، وإن حصل على ولاية جديدة لتشكيل الحكومة، ليس بمقدوره المضي دستوريا في مشروعه الرامي لتحويل النظام السياسي من نظام برلماني إلى رئاسي يعطى فيه رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة باعتبار أنه ينوي تولي الرئاسة لاحقا، وهذا تحديدا ما أثار اتهام المعارضة له بالتخطيط للتفرد بحكم البلاد.
لذلك بات يتعين على العدالة والتنمية الحصول على دعم معارضيه في البرلمان قبل الشروع في التغييرات الدستورية التي يطمح لها، الأمر الذي سيفرض على أردوغان تنازلات سياسية تكتيكية في مكان ما قد لا تجد قبولا بين أنصار العدالة والتنمية المحافظين، أو حتى الأطياف الأخرى المكونة للبرلمان الجديد.
التركيبة البرلمانية
ومن هذه النقطة تحديدا ينطلق المحلل السياسي والكاتب التركي هاشم سويلماز من مجلة "أكسيون" والمتخصص بالشؤون الكردية للقول إن نجاح المستقلين الأكراد بستة وثلاثين مقعدا زاد من المصاعب التي يواجهها العدالة والتنمية طالما أنه من غير المتوقع أن يتفق الحزب الحاكم مع منافسيه اللدودين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على أي من المواقف المرتبطة بالسياسة الداخلية.
وبافتراض أن أردوغان لن يجد بدا من مغازلة النواب المستقلين الأكراد ليمرر تعديلات على بعض بنود الدستور على سبيل المثال، يقول سوليماز إن العدالة والتنمية قد يضطر لتقديم بعض التنازلات في المسألة الكردية، وهذا أمر مستبعد لأن جميع الأحزاب التركية بما فيها العدالة والتنمية ترفض قبول المطالب الكردية بالحكم الذاتي.
واختتم سويلماز حديثه للجزيرة نت بالتوضيح أن هذا التماس البرلماني المحتدم على مبدأ رفض التنازل والاستغلال الظرفي للحظة السياسية سيدفع دون أدنى شك بالوضع إلى حالة احتقان وربما جمود سياسي يجد فيه حزب العدالة والتنمية نفسه مضطرا لخوض انتخابات مبكرة ولكن دون وجود أردوغان الذي يمنعه الميثاق الداخلي للحزب من الترشح لأكثر من ثلاث ولايات دستورية لمنصب رئيس الوزراء.
المسألة الكردية
من جانبه، قال دورسون يلدز مساعد رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي في إسطنبول إن نجاح الحزب بإدخال ستة من المرشحين المستقلين المؤيدين له إلى البرلمان يؤكد أن المرحلة السياسية المقبلة في تركيا ستشهد وعلى الأرجح حالة استعصاء لن يجد حزب العدالة والتنمية مخرجا منها إلا بالتفاوض مع نواب السلام والديمقراطية في البرلمان لتأمين نسبة 330 المطلوبة لإقرار استفتاء شعبي على تغيير الدستور طالما أن الكتلتين غير قادرتين على تأمين نسبة الثلثين لتغيير الدستور دون المرور بالاستفتاء.
واعتبر يلدز في حديثه للجزيرة نت في مكتب الحزب بإسطنبول أن هذه الفرصة السياسية السانحة لحزب السلام والديمقراطية إنما جاءت من خسارة العدالة والتنمية لكثير من الأصوات في المناطق الجنوبية ذات الأغلبية الكردية، مشيرا إلى أن الحزب يدعم وضع دستور ديمقراطي جديد للبلاد يعترف بالحكم الذاتي للأكراد في مناطقهم في إطار إدارة فدرالية لا مركزية شبيهة بالنموذج السويسري.
وقال "نريد من الحكومة بدء المفاوضات فورا والابتعاد عن الحلول المزعومة"، وإطلاق حرية ستة أشخاص معتقلين من "تي جي كي" -وهو الفرع المدني لحزب العمال الكردستاني- تم انتخابهم مؤخرا في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي، معتبرا أن رفض العدالة والتنمية مبدأ التفاوض السياسي واستغلال التركيبة البرلمانية الجديدة لحل المسألة الكردية سيعقد الأمور ويطيل من عمر الصراع.
بيد أن العديد من المراقبين المحليين والدوليين المتابعين للشأن التركي، ومنهم معهد ستراتفور الأميركي للدراسات الاستخباراتية، يرون أن المصاعب الحقيقية التي يتعين على أردوغان مواجهتها لا تنحصر في القضايا المحلية بل تتعداها إلى مسائل إقليمية من تداعيات الربيع العربي على الحدود التركية الجنوبية، والحراك الإيراني المتواصل لملء فراغ السلطة في العراق، بالإضافة إلى عودة النفوذ الروسي إلى جانب معركة الانضمام للاتحاد الأوروبي التي تبدو مؤجلة حاليا حتى إشعار آخر.