قيل أن التجربة «ليست ما يحدث للمرء بل هي ما يفعله المرء بما يحدث له».
وفي فصول الحياة تجارب كثيرة تطالنا ونلتقطها منها عبر بواباتها، وقد
تقحمنا وسطها فجأة وطالما تنفس المرء على الأرض طالما شهد الكثير من
الخبرات وعايشها، فالتجربة هي نتاج خبرة معينة مرت بنا أو مر بها أحد ما
نعرفه فيها، سواء منها التجربة المادية أم المعنوية.
والناس لحكمة شاءها الله مختلفين في التعامل مع تجاربهم، فالبعض يتوسع في
امتداد تجربته، وقد يعيش عمق أجزاء كبيرة، وفي مساحات شاسعة مع نفسه بشكل
بارز يلفت انتباهنا نحوه ونحو تجربته مهما كانت سواء فكرية أو حياتية معاشة
على أرض الواقع، والبعض الآخر يقلصها في حدود ضيقة بحيث لا نكاد نشعر أنه
استفاد منها، وفي كلتا الحالتين هو وحده من يستطيع أن يقيس عمقها ويحدد مدى
إفادته من مرورها بحياته.
هناك أشخاص آخرين لا يمكنهم أن يخضعوا لفلسفة التجربة إلا عندما تمر بهم
عدة مرات متتالية، وهم يرون أن في الإعادة إفادة! في حين نجد أن بعضهم
يكتفي بما يمر به شخص ما سمع أو قرأ عنه لتستثيره تجربته بتفاصيلها
ودقائقها المثيرة فيضيفها إلى رصيده هو الآخر، وبغض النظر عن أفضل هذه
الطرق وعن مقاييس الذكاء والحكمة فيها، فان التجربة التي يمر بها المرء
مهما كانت أنواعها، مرونتها أوحدتها، قربها أو بعدها، ندرتها أو كثرتها،
فما هي في الأخير سوى دليل صحي لتفاعل المرء مع العالم المحيط به، فما دام
الإنسان وهو المخلوق الوحيد الذي يتفاعل مع الحياة تفاعلاً واضح وذكي ليكون
انطباع جيد أو سيئ عن ما يحصل معه فهو في نهاية المطاف يحرك عالمه بشكل
طبيعي ومطلوب، وإلا كيف يمكنه أن يشعر بالحياة إذا لم يتنفس تجاربها
ويتفاعل معها بصورة طبيعية!
ونحن على كل حال تصنعنا التجارب التي نخوضها، وبمدى قوتها وعمقها واتساعها
تبدأ أفكارنا تنمو وتتمحور لتنبض بداخلنا شخصيات مختلفة وناضجة، أما عن
حلاوتها أو مرارتها سطحيتها أو عمقها، فالمسألة تعود لنوعية التجربة ذاتها
ونوعية تفكير صاحبها أيضاً وتعامله معها، لأن بعض التجارب وإن كانت قاسية
حين تترك أثرها في النفس، لكنها أيضاً تعطينا انطباع رائع عن مدى قدرتنا
لخوضها رغم كل شيء لأنها تعني الحياة نفسها.
ولا يعني الأمر بأننا حين نبكي من تجاربنا أو نتألم منها عندما نتذكرها أو
نستعرضها رغم مضي الزمن عليها، بأنها قد سيطرت علينا كلياً وحبستنا في
دوامتها وأربكتنا عن مواصلة مسيرتنا، فما يحدث معنا من هذه الأمور هو أمر
عادي وردة فعل طبيعية لأي إنسان مر بها، وقد تستمر معه مرحلة طويلة نسبياً
من حياته، حتى يمكنه أن يستعيد توازنه بصورة طبيعية فيبني على ضوئها أموره
التي يخطط لها ويتسلق المستقبل بعيون تعرف كيف يمكنها أن تصل نحو القمة،
والمتحصل الختامي بالتالي هو الأهم.
ونحن بالطبع لا نستطيع الحكم على المرء من خلال ردة فعله الأولى ولا
الثانية أيضاً بعد خوضه لتجربة ما سواء كانت مفرحة أو محزنة، لأنه قد
يفاجئنا مستقبلاً بما لا يمكننا أن نتوقعه منه، فالبعض يبهرنا بقوته
وصلابته بعد خروجه من تجربة أليمة مر بها وكأنه قد أوتي نصيباً من الحكمة
ونبعاً من فيضها، ويدهشنا آخر من كونه انتكس وعاد للوراء بعد أن بدا لنا
سعيداً في بداية خوضه لتجربة ما ظننا أنها آتت ثمارها عليه.
وهناك البعض من الناس يملئون حياتهم بأمور من شأنها أن تخلق لهم تجربة
معينة، وإثارة يغامرون فيها وإن كانت مغامرة هادئة وبسيطة، حتى أن البعض
منهم يسعى بنفسه لخوض تجربة ما، بدافع التحدي لمجرد أن يضيف لنفسه رصيد
جديد منها وهذا ما نفعله نحن عادة في الحياة حين نود أن نتعلم ونمارس أشياء
جديدة ونلتقي بشخصيات مختلفة أو نسافر لأماكن نقصدها بأنفسنا.
وإذاً، فالتجربة ليست هي كل ما يحدث في حياتنا، لأنها تتعلق بطريقة تفكيرنا
وتعاملنا مع ما يحدث لنا وما يمكننا أن نطوعه لخدمتنا مستقبلاً، فالكثيرين
يتعرضون لخوض التجارب - وهذا واقع الحياة التي هي بحد ذاتها تجربة مثيرة -
فبعض الناس تقويه تجاربه وتصلب عوده، وبعضهم تعييه وترهقه، لكن قلة منهم
من تخدمه تجاربه ويفيد منها فعلياً
تحياتي لكم