ويبدو ان بعض الذين ثاروا وقتها تناسوا الموضوع تماماً ، ربما ظناً ان " الربيع العربى " غير فى الموازين ، بينما الواقع ان شيئاً لم يتغير بعدها ، بل صارت الامور - للأسف - مثل " السائرون نياماً ! "
فالرؤية الامريكية لاتقصد بالطبع " تسبيح " تلك الصحف ، والفضائيات بأمريكا ، بشكل صريح - وان كان البعض يفعل ذلك ! - بل على العكس ، لأنها فى هذه الحالة ستكون " منفَرة " وقد تأتى برد فعل عكسى .. ولكن من خلال تبنى وجهة النظر الامريكية فى سائر القضايا المختلفة ، وبالتالى تجميل الوجهة الامريكى فى العالم العربى ، وفى الوقت نفسة يكون هذا التغيير الاعلامى اداة لأعادة صياغة الثقافات المختلفة ، خاصة التعليمية والدينية المعادية لأمريكا
ونعتقد ان الرؤية الامريكية فى تنفيذ هذا المخطط صارت على اتجاهين يجمعهما الاستقلالية عن الحكومات .. الاول فى تشجيع انشاء الصحف والفضائيات المستقلة عن الحكومة ، والثانى الزيادة بأضطراب شديد لمؤسسات المجتمع المدنى
ويبدو ان المثقفين لدينا خاصة المناهضين للفكر الامريكى " بلعوا الطعم " تحت شعارات مثل الحريات وبناء المجتمع ، وقد تكون بعض هذة الشعارات والحيثيات صحيحة ، ولكن بالقدر الظاهر منها فقط
حقيقة ان نقابة الصحفيين ثارت مرات ومرات ضد شراكات ومنح امريكية ، لكن الحقيقة ايضاً ان النقابة ، وغيرها من الجهات التى من واجبها رصد مجريات الامور ، والتصدى للخطر لم تبحث بجدية عن دقائق ما اعلنتة الادارة الامريكية بتخصيص مئات الملايين من الدولارات للأعلام الجديد رغم نشر هذة التصريحات وتداولها
ومن العجيب ان النقابة وغيرها من الجهات الاعلامية المتخصصة ، مثل كلية الاعلام ، والمجلس الاعلى للصحافة ، نظرت للصحف والفضائيات الجديدة نظرة ضيقة ، وهى نفس نظرة " وزارة القوى العاملة " اى المساهمة فى حل مشاكل البطالة الصحفية ، وبصفة عامة الاعلامية ( زادت عدد الصحف فى مصر الى اكثر من 150 صحيفة اضافة الى عشرات الفضائيات التى قفزت على الساحة )
ولم ترصد النقابة هوية هذة الصحف ، او الفضائيات ، ولا مصادر تمويلها ، بل ساهمت بشكل سلبى بضم مئات الصحفيين للنقابة ، دون ان يحمل هؤلاء الجدد اية ثقافة ، وكثيراً منهم لم يقرأ كتاباً واحداً فى حياتة ، وتم ادخالهم للمهنة ، وحصولهم على عضوية النقابة ، تحت شعار " شاور واركب " او " شبيك لبيك " بغرض المجاملات املاً فى الحصول على اصواتهم واصوات من دفعوا بهم عند اقرب انتخابات نقابية !
ونفس الامر فى " الفضائيات " فنجد الاعداد والتقديم على مستوى يدل على رداءة وسطحية المستوى الثقافى والمهنى ، وبالتالى يكون من السهل ان يسير هؤلاء وهؤلاء كالقطيع ، وهم ينفذون الرؤية الامريكية ، التى يمليها عليهم رؤسائهم
وبالطبع هؤلاء الرؤساء يعرفون تماماً مايقومون بة ، والمقابل الذى يحصلون علية من موارد مالية وحماية ادبية
ومن المفارقات ملاحظة انكماش الصحف المعادية للرؤية الامريكية ، بشكل كبير ، مابين التوقف لأسباب مختلفة ، مثل " الشعب " و " العربى " و " التجمع " او تراجع التوزيع لأسباب خارحة عن التميز مثل " الاهالى " و " الاسبوع " و " الكرامة " وحتى الصحف الجديدة ربما لاتجد منها سوى نموذج " المصريون " او عدد قليل من الصحف ، او كُتاب هنا وهناك ، على عكس الصحف التى تتبنى الرؤية الامريكية ، تحت شعارات " الليبرالية " وعلى رأسها " المصرى اليوم " وكذلك فضائيات لاتتسع المساحة لذكر اسمائهم
وحتى الاحزاب التى كان يظن لدى الرأى العام ، انها معادية للأتجاه الامريكى ، مثل " الحرية والعدالة اصبحت فى مقدمة من يخاطبون الود والرضاء الامريكى ، وهو مايعنى ان " الربيع العربى " لم يغير شيئاً ، بل صار اشبه مايكون وفقاً لمخططات امريكية معدة ، او متوقعة من قبل ، لتغيير خريطة العالم كلة ، خاصة اسيا وافريقيا ، بما فيها الشرق الاوسط .. وفى احسن الاحوال انها - اى امريكا - " التقطت الخيط " وتعاملت معة فى الوقت المناسب بحرفية فائقة ، لتستكمل المنظومة التى اعلنت عنها صراحة على لسان " باول " وزير خارجيتها منذ عشر سنوات
واذا كان للمدقق انة بخلاف المنهج الامريكى الذى غطى على الصحافة والاعلام المصرى والعربى ، لايوجد اتجاة مضاد سوى تعاون المانى - على سبيل المثال - من خلال منح وبرامج للصحفيين ، الا ان النسبة والتناسب لصالح الاتجاه الامريكى ، بفارق " بون " شاسع .. وان كان مايهمنا هو اتجاه عربى قومى اصيل ، نابع من المثقفين العرب
ان مايجرى ليصير من " الواقعية " هو اخطر واكبر من " العولمة " فحقيقتة سحب " الهوية " لننفذ برضاء وطيب خاطر ، وبقناعة تامة ، السياسات الامريكية .. حتى ولو كانت الرؤية والتجارب امامنا من مخططات تنتهى الى تقسيم وتفتيت الاوطان ، وابادة الفقراء ، وغياب العدل الاجتماعى ، ونشر الفوضى ، وتنفيذ المشروع الصهيونى
اننا مازلنا حتى الان فى مقدمات الصراع مابين المثقفين ، ومن بينهم الصحفيين ، وبين بعض الرأس ماليين ، الذين يسعون لمسخ الثقافة " وتحول " الرموز
وفى انتظار الافاقة او " الطوفان " !