الاثار الغارقة تغوص فى المشاكل والاعتصامات .. والوزير يتجاهل طوق النجاه
قرار الوزير وتجاهله احتجاجات العاملين يعنى ان الاثار الغارقة فى مصر تتعرض لامواج من اهدار الاموال ؛ وتصفية الحسابات ؛ وقد لا يدرى الوزير نفسه انه قد يستخدم كاداه - بحسن نية - بما يزيد من تراكم المشكلات والتى تهدد بفشل واحد من اهم مراكز الاثار فى مصر وهو مركز اثبت نجاحه وسط عشرات من الاحباطات فى مجالات الاثار المختلفة ومنها السرقات والتعديات وغيرهما
بداية فان الاثار الغارقة فى مصر منتشرة بعمق تاريخها وتميز جغرافيتها واتساع حضارتها
فموقع مصر كملتقى لترابط القارات ؛ واقامة الحضارات المختلفة او مرورها على ارضها ؛ كان طبيعيا ان يلقى ببصمات للتاريخ مو وجود اثار باقية تحت الامواج كما هى تحت الثرى فى كل ربوع مصر ؛ وهى اثار لا تقل روعة وجمالا عن اية اثار يتم اكتشافها
وقد بدأ البحث عن الاثار الغارقة بالاسكندرية بمجهودات اقرب للفردية ؛ وذلك فى اوائل الستينيات من القرن الماضى بجهود للغواص المصرى الشهير ابو السعادات
وبدأ التنبه الى هذه الكنوز بشكل جدى ومكثف حيث جاءت الى مصر عام 1984 بعثة اجنبية بقيادة جاك دوماك ؛ وبدأ مصاحبة مفتش الاثار المصرى للبعثات فى هذا المجال الجديد ؛ ولكن ظل دوره قاصرا على الجلوس بالمركب او على الشاطىء ولايعرف بالضبط ماذا يفعل الغواص الاجنبى بكنوزنا تحت الماء
الى ان جاء عام 1996 وقررت مصر انشاء ادارة للاثار الغارقة لتؤكد على وجود علماء مصريين ؛ وسيادة حقيقية على الاثار الموجودة تحت مياه البحار
وكان طبيعيا ان يستوجب هذا التحدى المنافسة وتسابق الاثريين المصريين فى الحصول على الدورات التدريبية العالية ؛ والشهادات العلمية ؛ وكيفية استخدام التقنيات العلمية الحديثة من معدات وغيرها لكسر الفارق الزمنى الذى بينه وبين الاجنبى ؛ حتى لو كانت الامكانيات للاثرى المصرى اقل ؛ بل وتعرض حياته للخطر اذ لا تأمين على الحياة مثل الاجانب ؛ ولا يخضع الغطاس لما يتعرض له من مخاطر سوى للتأمين الصحى والمعروف بقصوره الشديد
وفى نحو عشر سنوات فقط ( 1996 - 2006 ) اصبحت لدينا اكتشافات اثرية اخرجت من تحت الماء بعضها عرض بالمسرح اليونانى وبالمخازن وغيرها لتكشف عن الاهمية التاريخية لفترات هامة من تاريخ مصر ؛ واصبحت مصر واحدة من اهم دول العالم فى هذا المجال ؛ واصبح رأى علماء مصر اساسيا ومعتدا به فى المؤتمرات الدولية واشهرها مؤتمر باريس ؛ وتم استثمار الاثار الغارقة فى المعارض الخارجية ومنها : معارض فى برلين وبون وروما وباريس ومدريد و طوكيو ونييورك ؛ بل ان معرض اثار كليبوترا ضم 45 قطعة رائعة جميعها تم اكتشافها من الاثار الغارقة ؛ واصبح مفتشوا وعلماء الاثار بهذه المعارض يزهون و بفخرون بمصريتهم
وللاسف وكأى نجاح فى مصر - خاصة فى زمن الانفلات الاخلاقى - لابد من التربص به واحباطه ؛ وهى افة تحتاج الى اطباء نفسانيين اكثر مما تحتاج الى محققين قانونيين ؛ بل ان بعض هؤلاء المحققون ذاتهم يحتاجون الى علاج نفسى لاصابتهم باعراض امراض الامن المركزى وامن الدولة زمن التربص والانتقام وتصفية الحسابات بوضع النتائج مقدما على ان تسير التحقيقات لتأكيد ما جاء بها حتى لو كان ما به خيالا مريضا
نعود الى اعتصام العاملين بادارة الاثار الغارقة والذى جاء نتيجة تداعيات التحقيقات اثر تقدم احد الافراد بشكوى دون دليل سوى عبارات واردة على الانترنت او من وحى الخيال
ورغم ان مثل هذا الهراء كان يستوجب تجاهل الشكوى الا ان اجتماع مصالح المتربصين كانت اقوى للدفع بها فى امواج ضد التيار الطبيعى ومخالفة المنطق بل والاضرار بسمعة اعلى الاجهزة الامنية على غير الحقيقة ؛ اذ ذكرت الشكوى سماح الادارة المذكورة للبعثات الاجنبية بالعمل والغوص فى البحرين الاحمر والابيض ؛ رغم ان مثل هذا العمل يخضع تماما لموافة وتصريح القوات المسلحة متمثلة فى حرس الحدود والمخابرات ؛ ولا تملك ادارة الاثار بل ولا الوزارة فى هذا المجال من امرها شيئا
( وهذا لايمنع من انتقادنا اذا حدث اصطحاب البعثات فى اماكن اخرى لاتحتاج الى تصاريح بسبب اعتبارها من المناطق غير المسجلة فى تعداد المناطق الاثرية ، فالواجب الابتعاد تماماً عن الشبهات ، واقتصار مرافقة البعثات فى مواقع العمل المصرح بة
وبالطبع هذا الانتقاد لايعنى وجود اثار مسروقة اذ ان الفيصل هو ضبط الاثار ، ولو كان هناك تحفظاً على اثار فى الحجرات التى تم تمشيعها ، او العلم بوجود اثار مسروقة فى اى موقع - كما يشاع - فلماذا لم يتم ابلاغ شرطة الاثار والنائب العام على الفور والا كان المتراخى فى البلاغ متستراً على الفساد ؟ )
وبجانب هذا الاتهام الخطير والعجيب جاءت " تحابيش " متناقضة مثل عمل بعضهم بالتدريس رغم وجود " بروتوكول " بين الوزارة والجامعات يؤكد ويبارك هذا ؛ اضافة لاستفادة غيرهم من هذا البروتوكول ؛ وبات واضحا ان من اهم الاسباب هو مخالفة الشاكى ذاته بعدم تواجده بمكان عمله وتصفية الحسابات لعدم اخطار المرور وتنبيهه قبل المجىء ! ؛ وهو ما تجاهله المحقق الميمون
واستمرت التحقيقات فى اسلوب استفزازى مثل تفتيش الموظفين وكأنهم لصوص ؛ والقاء السجلات ؛ والكيل بمكالين فى موضوع التدريس او ادلة الانترنت ؛ واستبعاد شهود بعينهم ؛ بل وصل الاستفزاز باعلام الشاكى بما يجرى اولا باول
وعليه انتهت التحقيقات الى استصدار " فرامانات " ثورية مثل التحفظ على كافة المستندات والمعدات ؛ وتشميع المكاتب ( ثلاث حجرات ) وان كان من المضحك تشميع الابواب دون النوافذ
هذا وقد صدر " فرمان " بالغاء ندب قيادات الادارة شملت أ . علاء الدين محروس مدير عام ادارة الاثار الغارقة ؛ و د . احمد سامح رمسيس وكيل الادارة ؛ و د . اشرف عبد الرؤوف مدير اثار الاسكندرية ؛ و أ . مجدى غزالة مدير اثار البحر الاحمر
ومع ترك العاملين بالاداره ورؤسائهم للشائعات ؛ ونشر الصحف ومواقع الانترنت بدون تدقيق او الغوص فى حقائق الامور ؛ اصبحت الصورة السائدة ان العاملين بالاثار الغارقة مجموعة من لصوص الاثار دون ان يسأل احد نفسه كيف يكون هؤلاء لصوصا وهم الذين سهروا بل وباتوا فى المواقع وعرضوا ارواحهم للخطر لحماية الاثار عندما قامت ثورة يناير وما اعقبها من انفلات امنى وانسحاب الشرطة خاصة ان موقع الادار واثارها وسط كتلة سكنية ؟
وعليه اضطر العاملون بالادارة الى الاعتصام الجماعى بسبب الاساءة الى سمعتهم ؛ والشلل الذى اصاب الادارة بعد تشميع المستندات والمكاتب الى درجة اضطرارهم الى شراء دفاتر حضور وانصراف لاثبات تواجدهم ؛ وهكذا تسببت الصراعات الادارية فى تشويه سمعة ادارة اثار عالمية
ومما هو جدير بالملاحظة أن الإدارة تشرف على عمل مجموعة من البعثات الأجنبية مثل بعثة مركز الدراسات السكندرية الفرنسية وبعثة المعهد الهليني اليونانية وبعثة جامعة تورينو الإيطالية وبعثة المعهد الأوروبي الفرنسية وبعثة المركز الروسي، وأن هذه البعثات موسمية تبدأ فترة عملها مع بداية شهر أبريل من كل عام، وأن إجراء التحفظ هذا على المعدات والأوراق سوف يؤدي إلى توقف عمل تلك البعثات تماما.
بل إن الوزير أعلن عن مشروع إنشاء مركز للآثار البحرية والغارقة بالإسكندرية تجري دراسته الآن لتنفيذه في موقع منار الإسكندرية القديم عند قلعة قايتباي، هذا برغم وجود متحف تحت الإنشاء خاص بالآثار الغارقة والتراث البحري منذ عام 1986م لم يتم تطويره حتى الآن، وكان الأولى أن يتم توجيه الجهود لتطوير هذا المتحف خاصاً في الوقت الحاضر الذي لا يتوفر فيه التمويل اللازم لإنشاء أكثر من متحف للآثار الغارقة بالإسكندرية.
كما قام مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار باتخاذ قرار يخالف الاتفاقيات والعقود المبرمة بين المجلس وإحدى البعثات الأجنبية، حيث تم تحويل مبلغ مليون و200الف دولار أمريكي كان مخصصاً للدراسات التي سوف تجري لإنشاء متحف للآثار الغارقة تحت الماء بمنطقة الميناء الشرقي بالإسكندرية (يجري حالياً التنسيق مع القوات المسلحة بشأن هذا المشروع) إلى مشروع إنشاء متحف للآثار بمدينة شرم الشيخ.
علمًا بأن بعثة "فرانك" هى التى قدمت منحة لعلم متحف تحت الماء بالميناء الشرقي، بينما بعثة أمبيرير التى سعت إلى إقامة المتحف بقلعة قايتباي وهو موقع سبق رفضه، وتم إعادة طرح الفكرة بمعرفة أحد العاملنين المصاحبين للبعثة ليكون هدفه المشروع هو المصلحة الخاصة لمقمده والذين معه.
ويلاحظ هذا التزامن أنه يؤكد فكرة المؤامرة لتدمير الإدارة حت لو كانت آثار تدميرها تطول سمعة إدارة ناجحة فى مصر.
ان ما يحدث - فى تقديرنا - هو صراعات ادارية حول مدى الاستفادة من " الغلة " التى يظن البعض ان العاملين بهذه الادارة يحصلون عليها بامتيازات من البعثات
ولنفترض ان هؤلاء يحصلون على مكافأت او امتيازات ؛ ولكن حتى بهذا الفرض اليس من العدل المقارنة بالنتائج التى حقوقها وما قدموه للبلد من انجاز متميز ؛ اضافة لتعرض بعضهم لخطر الموت نقول لخطر الموت تحت الماء بينما ينعم المتربصين فى مكاتبهم المكيفة ؟
لقد التقى الوزير بالمعتصمين ووعد بحل مشكلاتهم ثم عاد وتجاهلهم تماما
ومن العجيب ان يتزامن الاعتصام مع مجىء رئيس البعثة الروسية ليقدم خطاب به شكر وتقدير لجهود علاء الدين محروس مدير عام الادارة ؛ ودون ان يعلم مقدم خطاب الشكر بما يجرى
اننا نطالب وزير اثار باحالة المحقق ذاته للتحقيق ، وليس عيبا ان يتم سؤاله او ابعاده عن مثل هذا التحقيق ؛ ووعد الوزير ذاته باعادة التحقيقات يعنى استبعاد ماجرى من تحقيقات ؛ ومن الافضل التحقيق بمعرفة النيابة الادارية لعلها تلغى القرار التعسفى بتشميع المكاتب وهو قرار مخالف للمنطق اذ كيف لمحارب ان يتم سحب سلاحه ؛ ولمشكو فى حقه لا يعرض المستندات والتى تؤكد براءته
ففى تنفيذ قرار النقل بهذه الطريقة نجاحا للمتربصين فى تشويه سمعة ابرياء ؛ واحباط لجميع العاملين بالادارة ؛ وغرق ما تحقق من نجاح للاثار الغارقة فى مصر ؛ وطوفان " الزبد " فوق الماء