ويزعق الريس حنفى «أبوحميدة» بصوته عالياً، يكسر حاجز الصوت، كلمتى متنزلشى الأرض أبداً، فتنهره تفيدة «أم حميدة» وتزوم زومتها الشهيرة، حنفىّ بتشديد الياء، مهددة متوعدة، يطق من عينيها الشرر العائلى، ويسقط صوت الريس حنفى (عبدالفتاح القصرى) فجأة من علٍ، وتقف الكلمة فى زوره ويتنحنح، خلاص تنزل المرة دى، ويستجمع رجولته المهدرة أمام جبروت «أم حميدة» التى تكور قبضتها استعداداً للهجوم والانقضاض على زوجها المهيض الجناح، وبخذلان انسحابى مضحك يحسم «أبوحميدة» الموقف من جانب واحد بالتسليم: إنما المرة الجاية أبداً. وإلى أن تحين المرة الجاية يكون جد فى الأمور أمور، تحتجز زينات صدقى «حميدة» إسماعيل ياسين «ابن حميدو» فى المطبخ وتراوده عن نفسه، لكنه أبى واستعصم ورفض استخراج المفتاح بيده من الصدر الأعظم المهبب بهباب وابور الجاز، ويعاود الريس حنفى ثورته الكاذبة، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى…، وتهدئ أم حميدة (سعاد أحمد) النفوس، كل شىء يتصلح يا أبوحميدة، بس يفتحوا الباب، ويخرجوا من السفارة، أقصد المطبخ.الفيلم الأمريكى الهابط «ابن لحود» نسبة لسام ابن آدمز لحود وزير النقل الأمريكى لا يقارن مطلقاً بالفيلم العربى البديع «ابن حميدو»، ورغم أن (ابن حميدو) من كلاسيكيات السينما المصرية، فإن فيلم «ابن لحود» من مستنسخات السينما الأمريكية، ولكن بثقل ظل، واستخفاف بعقول المشاهدين، ورغم أن الفيلم الهوليوودى ملون، لكن ينقصه دهاء الباز أفندى، ساقط إعدادية، فيلم ساقط حتى فى العلاقات الدولية، بين دول وعواصم تحترم عقول مشاهديها أقصد شعوبها.فى فيلم «ابن لحود» يلعب الدكتور كمال الجنزورى دور الريس حنفى، نفس الألفاظ والمفردات والنبرة العالية والقاموس الشعبوى الذى يؤشر على فحولة سياسية بالغة، رجل دولة كلاسيكى (مثل الريس حنفى كان رجل بيت كلاسيكى)، لم يترك الجنزورى للريس حنفى حاجة إلا وقلده فيها، لن نركع، لن نستسلم، لا يسلم الشرف الرفيع، فقط الريس حنفى كان أكثر كوميدية، ابن بلد عارف آخرتها، هو يشد وأم حميدة ترخى، وفى الآخر «نرومندى تو» سوف تغرق فى عرض البحر الأحمر المتوسط.فى فيلم «ابن لحود» تلعب السفيرة الأمريكية آن باترسون دور «لاتانيا» التى تهرب المخدرات، أقصد تهرب المتهمين فى قضية التمويل، تستضيفهم فى السفارة، باعتبارها أرضا أمريكية مستقلة، وتستدعى بقية أفراد عصابة ماكين الذى يلعب دور حسن حامد فى فيلم «ابن حميدو»، عبر تعاون مثمر وفعال من الباز أفندى أقصد (الإخوانى أفندى).المجلس العسكرى كان نفسه يتزوج (عزيزة) أخت حميدة، دخل الفيلم فاتحاً صدره على طريقة أحمد رمزى (حسن أفندى القبطان)، لازم يقبض على عصابة التمويل الأجنبى، فيتنكر فى زى قاضى تحقيقات، ويطلب «ضبط وإحضار» ولكن عصابة لاتانيا (باترسون)، تضللهم، وتخفى البضاعة فى بطن الزير، فى عمارة (الزهرة) داخل السفارة، من يقدر على لاتانيا، أقصد باترسون.هتنزل المرة دى، ونزلت على رؤوس المشاهدين قنبلة ضاحكة، أقصد حارقة، فانفجر الجميع غيظا، كما انفجروا ضحكاً، وفر بن لحود وصحبه، وتبقت «لاتانيا» تغازل حسن أفندى بالمعونات، تلك كانت النهاية المبتذلة للفيلم الأمريكى، ولكنها نهاية لم تعجب الجمهور المصرى، الباز أفندى لم يقع فى شر أعماله، وهربت عصابة لاتانيا، ولم تتزوج حميدة من ابن حميدو ولا تزوجت عزيزة من حسن، وسيمثل «أبوحميدة» أمام البرلمان هو وحسن أفندى القبطان وابن حميدو القرصان.الأفلام الأمريكية الهابطة لا تنطلى على المزاج المصرى، ومشاركة ممثلين مصريين كبار بأدوار صغيرة ورديئة يجلب الرفض الجماهيرى للعرض الأول الذى تم إهداؤه عبر المنتج جون ماكين إلى المجلس العسكرى والإخوان لحسن تعاونهما، يذكرك بشكر المخرجين المصريين لوزارة الداخلية أيام المخلوع. الشكر على أدوار رديئة، على فجاجة متناهية، على استلاب فظ لإرادة أمة، كيف ترتضى كرامة «أبوحميدة» جواز عزيزة من الباز أفندى (ساقط إعدادية)، صحيح «أبوحميدة» مديون، ومحجوز على العفش، ولا يملك سوى «نورمندى تو»، وفى بيته حرباء مرعبة اسمها أم حميدة (سيدة البحار)، ولكن أبوحميدة رجل طيب يهمل موازين القوى، مثل الجنزورى تماما، الجنزورى مثل أبوحميدة آخر من يعلم، فى الوقت الذى يزعق فى البرلمان لن نركع، كان غيره.الغريب أن الجمهور المصرى ظل مرابطا أمام فيلم «ابن لحود» أياماً وليالى، حتى آخر مشهد وخرج يضرب كفا بكف، و يمص ليمون بنزاهير حسرة، فيلم من أفلام المخلوع، لكن فيلم ابن حميدو لو عرض عشر مرات فى اليوم لشاهدناه ١١ مرة، فقط من أجل عزيزة، وعزيزة هى مصر.
هذه المقالة مهداه لروح العظيم جلال عامر واتصور أنه كان سيكتبها هكذا