هذه حادثة حصلت لاحد الشباب الذين مَنّ الله عليهم
بالهدايةويحكي فيها ندمه الشديد حين فرط بوالديه
وبعُد عن الله وجعل اصحاب السوء أصدقاء له ....
إليكم القصة وأتمنى أن يعتبر منها كل من قصر
في حق والديه .....
يزال صوت والدته الحنون يغرد في أذنيه ويحمل له
ترانيم من نوع آخر، إنها ترانيم من الحزن والأسى والندم ،لا يستطيع أن ينسى صوتها وهي تناديه لصلاة الفجر،
وهي تدعو له ،وتبكي بعد صلاة الفجر لتأخر ابنها حبيبها عن المنزل، أصبح وقت الفجر بالنسبةل « ض .ص» من الأوقات التي يستحيل له النوم فيها كأي شاب عاش في كنف والديه ،بين حرصهما عليه ونصحهما له وعتبهما عليه عندما تزل قدمه، إلا أنه لم يكن يعلم أنه بعد ثماني سنوات من تلك القبلات الحانية وتلك النصائح الأبوية المخلصة
أنه سوف يكون وحيداً تحت وطأة اليتم وبين أحضان
الغربة وعلى شاطئ المأساة تقذفه صحبة السوء بعيداً
عن أجنحة والديه اللذين أصبحا بعيديـن عنه ،حيث
رائحة الكافور وبياض الأكفان.
ويقول: «ض.ص» عندما كنت في سن السابعة عشرة
من عمري طالبا في الصف الثالث ثانوي،
حملني الفضول وحب الاستطلاع الى صداقة بعض
الشباب الذين أجد فيهم الجرأة المفرطة والمغامرة الزائدة ، كانت تعجبني تصرفاتهم ،وأحس أنهم أفضل مني بكثير ،وأكثر شجاعة مني عندما كانوا يسرقون من البقالة أشياء كثيرة دون علم صاحبها، كان الدخان هو الفيصل بينهم في إثبات الرجولة وإبراز الحرية.لاحظ والديّ تغيراً في تصرفاتي وغموضاً في تحركاتي، ولم أكن أسمح لأي منهما أن يعلما عن شيء مما أفعله.بدأت المغامرة الحقيقية عندما كنت أهرب من المدرسة في الفصل الدراسي الثاني ،لألتقي بزملائي عند الساعة التاسعة صباحاً لنمارس هواياتنا في سرقة المحلات التجارية، وبيع ما نحصل عليه لنقتسم المبالغ بيننا ،ونستأجر بها شقة، الأمر الذي كنا نطمح إليه منذ فترة حتى نكون أقرب من بعضنا البعض .ويضيف
« ض.ص» إنني لم أكن أعلم أنه في تلك اللحظات كنت أغرس خنجر السكّر والضغط والقولون في جسد والدايّ -رحمهما الله- وتجرأت كثيراً وأصبحت أمارس هواية السرقة بمفردي، عندها ضبطت في قضية في إحدى الليالي السوداء بالنسبة لي، والأسود منها بالنسبة لوالديّ.وأُحلت إلى دار الأحداث بمدينة الرياض، والتي بدورها حكمت علي بالسجن لفترة من الزمن.و في أول ليلة أنام فيها في دار الأحداث استرجعت ذكريات والدتي ووالدي اللذين كانا يحذراني مئات المرات من أن يرياني في هذا المكان .كانت تلك الليلة بالنسبة لي هي لحظات لو وجدت سبيلاً إلى الانتحار لم أتردد لحظة ، و المصيبة داهمتني عندما أتت والدتي تزورني في الدار وهي تتظاهر بعدم البكاء ولكن احمرار
عينيها أخبرني بكل مايدور في لياليها القلائل الماضية.سنتان من عمري قضيتها بعيداً عن والدتي، ولم تكتمل السنتان حتى خرجت من السجن إلى سجن آخر ،ألا وهو آهات والدي وإخوتي وأخواتي على وفاة أمي، التي لم أجلس معها بعد خروجي من السجن سوى ثلاثة أيام ، والمصيبة عندما التقيت بأقاربي في المقبرة لحظات دفن والدتي ، حيث الكل ينظر إليّ بنظرة الغضب والازدراء ،وكأن نظراتهم تقول لي هذا ماكنت تطمح إليه!! وبعد
هذه المصيبةاصبح أشبه بالمجنون الذي فقد صوابه ،
ولم يعد يعرف ماذا يصنع ولماذا يعيش وكيف يقضي بقية حياته؟ لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن ترسبات الصداقة الماضية وذكريات ماقبل السجن لا تزال تترائى بين الفترة والأخرى أمام عيني، وماهي إلا أيام قليلة لم تنته فيها
آهات العزاء ،ولم تذهب فيها رائحة الأم من المنزل، ولم تبتعد نبرات الأم من خلف الباب لإيقاظ أبنائها وبناتها لصلاة الفجر ،حتى استيقظ الضحية (ض.ص) من مصيبة أخرى حمل ويلاتها هو بنفسه إليه وإلى أسرته ،والتي لم تعد تصدّق مايحدث لها ،حيث ضبط ثانية في قضية أخرى أكبر من سابقتها والتي بدورها استضافته بالقهر والعنوة إلى المكان الذي رأى فيه والدته تبكي منذ سنتين إلى السجن ،حيث ست سنوات عجاف أهدتها له قضيته الأخيرة ،ويذكر أيضاً أن هذه السنوات الست كانت بمثابة ستين سنة أبعدتني عن والدي وإخوتي نفسياً قبل أن تكون أبعدتني جسدياً، إلا
أنها أبعدتني عن أبي كثيراً ،حيث لم يزرني في الأحداث سوى مرات قليلة جداً حاملاً بين جنبيه قلباً يفيض بالغضب والحزن وعيناً تفيض بالدمع والأسى ،أراد الله لي أن أبقى في السجن طيلة تلك الفترة إلى أن جاءني الفرج من الله -عزوجل- معلناً خروجي من السجن ودخولي سجن آخر ،سجن أبدي وحزن سرمدي كانت حيطانه هي أجسام
الأقارب وهم يحملون أبي على النعش إلى جانب أمي في منظر سقطت على إثره ونقلت إلى المستشفى ،فقد خرجت
من السجن بعد قضاء ست سنوات، وماهي إلا أيام عشرة
لم أحظَ خلالها كثيراً بتقبيل رأس والدي والجلوس إلى جانبه ،حتى طبعت قبلة أخيرة وداعية راجيا ً من الله أن أكررها إن شاء الله في الجنة..وهأنا أعيش الآن على أرصفة إحدى أسواق الخضرة وحيداً بعيداً عن إخوتي الذين رفضوا استقبالي أبيع ماييسره الله -عزوجل- لي وأتصدق بثلثه لوالدايّ - رحمهما الله-
معزياً نفسي بثوب أمي ونظارة أبي أقبلهما صباح مساء