الحل |
هل ذقت السعادة الحقيقية يا محمد.. هل عرفت معنى انشراح الصدر؟ هل لاحظت الفرق بين منتهى السعادة التي تنتهي في لحظة ثم يعقبها حسرة وبين السعادة الهادئة الدائمة التي يعقبها سكينة ورضا وانشراح؟ بالتأكيد عرفتها.. فأمسك بها إذن بيديك وأسنانك، وجاهد نفسك للحفاظ عليها فهي غالية وعزيزة. ولكنك قلق.. فعلى قدر سعادتك بنفسك وبقربك من ربك وباستحسان الناس لحالك على قدر خوفك من أن تفقد الصحبة والحياة والمتعة وتقول في نفسك إما هذا أو ذاك.. ماذا أفعل؟ يا محمد ما جعل الله الدين ليقضي على الحياة والحركة والمتعة والسعادة، ولكن ليقيمها ويذوب فيها ويحييها.. نحن نشعر بالقلق؛ لأننا لم نفهم ديننا على حقيقته، ولم نفهم كيف نعيش به ونوظفه في حياتنا.. فهمنا الدين على أنه أوامر ونواهٍ وعبادات ومراسم.. بمعنى آخر مارشات عسكرية وقرآن؛ ولهذا يخشانا الآخرون ويبتعدون عنا ويقول أحدهم لنفسه وهو يفر هاربا: "يا عم أنا لسه في عز شبابي عاوز أتمتع شويه وبعدين أبقى أتوب واستقيم متنكدش علينا". فهمنا ديننا خطأ فصار التدين مرادفا للتجهم والجدية والنكد والتقييد وأصبح الانفلات مرادفا للضحك والسعادة والحياة والحرية. من قال ذلك؟! من أين رسخت هذه المفاهيم في عقولنا؟ لا أخفي عليك يا محمد أني تعجبت بشدة حين قرأت كتابا كتبه أحد الذين أسلموا حديثا وهو دكتور متخصص في الرياضة البحتة أمريكي الجنسية اسمه "جفري لانج" يحكي فيه قصة إسلامه وفهمه العميق لهذا الدين.. فبعد أن أسلم سألته دكتورة زميلة له في الجامعة: كيف يتعبد المسلمون؟ - قال: نحن نذهب إلى العمل لنعول أسرنا، ونحضر مع أولادنا الحفلات والمناسبات المدرسية، ونصنع الكيك والحلوى ونهدي منه لجيراننا، ونوصل أولادنا إلى مدارسهم، ونشاركهم اللعب والمرح والنزهات في إجازاتهم. - قالت: لا لا.. كيف تتعبدون؟ - قال: نحن نعاشر زوجاتنا، نبتسم ونحيي من نقابلهم في الطريق، ونساعد أطفالنا في واجباتهم ونفسح الطريق لمن خلفنا. - قالت: "العبادة أنا أقصد العبادة". - فسألها عما تقصده تمامًا. - قالت بإصرار: أنت تعرف.. "الطقوس". قال: إننا نؤدي الفرائض أيضًا ونقرأ القرآن، وهي جزء أساسي من عباداتنا. ثم علق: لم أكن أحاول إحباطها ولكني أردت أن أوضح لها مفهوم الإسلام العميق للعبادة وكيف نعيشها. أرأيت يا محمد كيف اهتدى هذا الرجل لله.. كيف اهتدى بفطرته لحقيقة الالتزام والتدين.. كيف فهم العبادة ومارسها وخالط بها أصدقاءه القدامى وأسرته وعاش بها مع صحبة جديدة تشاركه الفكرة والاهتمام والغاية. إن أسوأ ما نقع فيه نحن يا محمد أننا نعتبر الدين خطا فاصلا دقيقا على يمينه إيمان وعلى يساره كفر وفسوق وعصيان.. وهذا فهم قاصر، فالدين خطوط متوازية، نهر عريض يجري بالخير أقصى يمينه إيمان، وأقصى يساره إيمان، وبينهما مسافة عريضة نتحرك خلالها نعلو ونهبط.. نعبد ونحيا.. نصوم ونصلي.. ونخرج ونلعب.. نبكي من خشية الله ونضحك مستمتعين بنعم الله الحلال، لم يحجم علينا الله الدنيا بل جعل الأصل في الأشياء الإباحة، ولكنا أدمنا التصنيف؛ هذا حلال وهذا حرام.. صنفنا الأغاني: أغانٍ دينية وأغانٍ منحلة، فلم ندع مجالاً للأغاني الهادفة النافعة أن تبدع وتعلو بالمشاعر.. صنفنا المدارس؛ مدارس إسلامية، وأخرى لا أدري ما اسمها.. صنفنا الناس؛ هذا متدين وملتزم، وهذا منحل ومنحرف.. صنفنا الحياة بين حلال كئيب وحرام ممتع. اطمئن يا صديقي تعايش بدينك وعش به بمرونة وفهم صحيح شامل ولا تدع الابتسامة تفارق وجهك الصبوح.. دع السعادة التي ملأ الله بها قلبك ترتسم على حياتك.. لا تعط لأصحابك الفرصة لينظروا إليك وكأنك كائن من الفضاء، ولكن كن قدوة لهم باعتدالك وممارساتك لحياتك دون تشنج وتعقيد وبمعاملاتك الطبيعية معهم دون وصاية عليهم. وتأكد أن وحدتك لن تدوم فمن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه من حيث لا يحتسب، ومن اختار طريقًا وعزم على السير فيه لا بد أن يجد هناك صحبة تسير إلى نفس الهدف.. فادع الله أن يرزقك الصحبة الصالحة لتتمتع معهم بحياة ممتعة وآخرة ليس كمثلها شيء. |