وطالب المتظاهرون الحكومة بوضع حد لعمليات الإحصاء الجارية ومراجعة الأسس والآليات التي اعتمدت فيه، وتعيين هيئة جديدة "أكثر وطنية وتمثيلا لمختلف مكونات الشعب" للإشراف على أي إحصاء جديد.
وكان نشطاء زنوج من منظمة "لا تلمس جنسيتي" قد أطلقوا حملة على الفيسبوك تحت شعار "لا تقدح في وطنيتي"، ودعوا خلالها إلى سلسلة من التحركات الشعبية لإسقاط هذا الإحصاء المثير للجدل.
ويقول المتظاهرون إنه إذا استمر الإحصاء الحالي بالشكل الذي أقرته الحكومة فإن أعدادا هائلة من الزنوج ستفقد هوياتها بسبب ما يصفونه بالطابع العنصري والاستفزازي لهذا الإحصاء.
وتستبطن مواقف الزنوج مخاوف من تكرار ما حدث في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي بعد اندلاع مواجهات ذات طابع عنصري في موريتانيا والسنغال بشكل متزامن، وأدت تلك الأحداث إلى إبعاد عشرات الآلاف من الموريتانيين الزنوج إلى خارج البلاد، وخصوصا إلى مالي والسنغال.
إحصاء مزور
ويقول الناشط الزنجي عبد العزيز كان للجزيرة نت إن الإحصاء الحالي ذو طابع عنصري خطير، وما سينبثق عنه من نتائج سيكون كارثيا ومزورا وغير شرعي.
ويعطي مثالا على ذلك أسئلة يصفها بأنها استفزازية تقدم خصوصا للزنوج دون غيرهم ومن هذه الأسئلة ما يتعلق بالسؤال عن الفئة الزنجية التي ينتمي إليها الشخص (بولاري أو سوننكي أو وولفي)، وهل يعرف فلانا (من الزنوج) أو فلانة (زوجة مسؤول زنجي)، أو نحو ذلك من الأسئلة الاستفزازية.
وتساءل بأي حق يسأل الزنوج وحدهم عن فئاتهم وطوائفهم دون أن يسأل الآخرون (العرب) الأسئلة نفسها، وبأي حق يتم ربط حصول الناس على هوياتهم بمعرفة للمسؤول كذا، أو لزوجة المسؤول كذا.
وأضاف لأجل رفض هذا الأسلوب الاستفزازي العنصري الإقصائي الذي يستهدف الزنوج وحدهم جئنا هنا للاحتجاج أمام مركز الإحصاء بالسبخة.
وتعطي الناشطة الزنجية آمنة جاديو في حديثها للجزيرة نت مثالا آخر على ما تصفه بالخروقات والأساليب غير العادلة في هذا الإحصاء هو إلزام الشيوخ والعجزة الذين تزيد أعمارهم عن سبعين عاما بتقديم وثائق لآبائهم إن كانوا أحياء، أو شهادات وفاة إن كانوا متوفين.
وقالت إن الزنوج لن يقبلوا إقصاءهم من جديد بعدما عاشوا مرارات الحرمان والإقصاء لعقود متتالية في دولة تتنكر لحقوقهم السياسية والاجتماعية، بل أكثر من ذلك لوطنيتهم وهويتهم.
لا إقصاء
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أطلق الإحصاء الإداري قبل نحو شهرين من مركز الإحصاء في مقاطعة السبخة ذات الكثافة السكانية العالية من الزنوج، وهو نفسه المركز الذي تظاهر أمامه نشطاء الزنوج زوال اليوم، باعتباره من أهم وأكبر نقاط هذا الإحصاء.
ويقول سيداتي ولد دمب وهو أحد مسؤولي هذا المركز للجزيرة نت إن المخاوف التي يبديها نشطاء الزنوج لا وجود لها على أرض الواقع، مؤكدا أن العملية تجري في عموم البلاد بكل شفافية ودون عنصرية ولا نية لأي إقصاء أو إلغاء.
وبشأن السؤال عن الفئات الاجتماعية يشير إلى أن وجود هذه الفئات أمر واقع في موريتانيا ولا مجال لإنكاره، ولا يثير أي حساسية، ولا داعي لتحميله بشحنة عنصرية لا يحملها في الواقع.
وينفي ما ادعاه النشطاء من تمييز خاص بالزنوج مؤكدا أن نفس الشروط والمستلزمات مطلوبة من الجميع، والهدف هو وجود حالة مدنية سليمة وبعيدة عن الفوضى والارتجالية.
ورغم أن الحكومة الموريتانية عملت في السنوات الأخيرة على إعادة نحو 20 ألفا من المبعدين الزنوج إلى داخل البلاد، فإن نبرة الإحساس بالتهميش والإقصاء لا تزال تسمع من لدن شرائح واسعة من الزنوج.
وكان نواب من المعارضة قد ساءلوا وزير الداخلية قبل نحو أسبوعين بشأن الأغراض المريبة والشبهات التي تحوم حول هذا الإحصاء، وطالبوا بمراجعته ووضع ضوابط جديدة تمكن من نجاحه.
لكن وزير الداخلية محمد ود ابيليل أكد أن كل الإجراءات تم اتخاذها من أجل نجاح هذا الإحصاء الذي يهدف بحسبه لحماية الوطن، وضمان تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلد من خلال حالة مدنية مؤمنة من كل تزوير.