مطمئنة لشعوبها وللعالم أجمع بأن مهمة عمليات الناتو لن تستغرق سوى أسابيع قلائل يكون الأمر فيها حسما لصالح الثوار الليبيين سواء بحماية المدنيين أو بتنحي العقيد القذافي عن السلطة تحت ضغط الضربات.
حماية المدنيين
بنفس الحرص أكد زعماء الدول المشاركة في حملة الناتو أن هدفهم هو تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 القاضي بحماية المدنيين بكل الوسائل. وفعلا فقد كان لتدخل الناتو في التاسع عشر من مارس/آذار الماضي دور أساسي في حماية المدنيين في بنغازي وبقية المدن الليبية في شرق ليبيا، فقد كان السكان يتوقعون ارتكاب كتائب القذافي إذا سيطرت على المدينة مجازر واسعة قد يكون ضحيتها الآلاف من المدنيين.
وفي نفس الاتجاه أدى تدخل الناتو إلى وقف زحف القذافي على المنطقة الشرقية، وكذلك فك حصار الكتائب الخانق لمدينة مصراتة مع اقتحام للمدينة من عدة محاور.
وكان لتدخل الناتو تأثير في قلب معادلة المعركة لصالح ثوار مصراتة الذين تمكنوا بدورهم من دحر الكتائب على الأرض إلى خارج حدودها ليستعيدوا السيطرة الكاملة عليها بل وبدؤوا يتقدمون على الجبهتين الشرقية والغربية للمدينة حتى باتوا على مشارف تاروغاء شرقا وزليطن غربا. ولا يزال الناتو يواصل استهداف آليات وتجمعات الكتائب حول مصراتة باستخدام مروحيات الأ****ي وغيرها.
الحملة تطول
كل هذا الإنجاز لم يعف قادة الحلف من تلقي نقد لاذع أخذ يتسع بسبب طول زمن الحملة التي تجاوزت المائة يوم لدرجة أن وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني طالب صراحة بوقف الحملة للبدء في تنظيم ممرات آمنة للإغاثة والعلاج، وأيضا ما صرح به مسؤول عسكري بريطاني كبير بأن حملة الناتو لو استمرت إلى ما بعد سبتمبر/أيلول المقبل فإن قواته لن تستطيع تحمل الضغط الواقع عليها. وهو ما دفع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون إلى الدفاع عن الحملة وتأكيد استمرار بلديهما فيها.
ولم يفت قائد الحملة المقيم في نابولي الإيطالية الكندي الجنرال شارلز بوتشارد أن يؤكد أن الخناق يضيق حول القذافي وأنه لم يعد يملك أماكن كثيرة يلجأ إليها. كذلك أكد العديد من قادة الناتو أن القذافي سيكون بسبب حملتهم المتواصلة ثالث ضحايا الربيع العربي.
وكانت صحيفتا إندبندنت وتلغراف البريطانيتان اعتبرتا التصريحات الأخيرة للأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن متضاربة، فرغم تأكيده على استمرار الحلف في عملياته فإنه لم يتمكن من تبرير اهتزاز الثقة في إمكانية أن تفضي العمليات إلى نتائج تتعلق بتنحي القذافي مثلا.
وقالت الصحيفتان إنه بدلا من انتهاء الحملة بشكل سريع ها هي اليوم -أي دول الحلف- تطالب مجلس الأمن بتمديد الحملة لثلاثة أشهر أخرى، مؤكدتين أن الثقة في الحملة باتت أضعف بالنظر إلى النتائج "الهزيلة" التي تمخضت عنها الحرب، وللانقسام الذي بدأ يدب في صفوف الحلف بهذا الشأن، ولغياب معارضة ليبية متماسكة تستفيد ميدانيا من ضربات الحلف الجوية.
مبررات الطول والبطء
من جهته حاول الكندي بوتشارد تبرير طول الحملة وبطء أدائها من خلال التأكيد على حرص الناتو على تجنب وقوع أضرار لدى المدنيين، الأمر الذي يدفعهم إلى تخطيط أدق ورصد أوسع وأخذ احتياطات إضافية مما سبب ضياع الكثير من الوقت.
واعتبر بوتشارد أن أي تساهل في وقوع مدنيين سيمنح القذافي أقوى سلام يستخدمه للنيل من سمعة الحملة كما فعل حقيقة في مناسبات عدة كان آخرها ادعاء حكومة القذافي مصرع 15 مدنيا في قصف الناتو قبل يومين لمنطقة البريقة.
استياء وسط الثوار
ولم يكن القذافي وحده الغاضب من الناتو بل عبر بعض الثوار أيضا عن هذا الغضب خصوصا في المناطق التي تتعرض لقصف متواصل من قبل كتائب القذافي مثل مصراتة ومدن الجبل الغربي وكذلك الأمر بالنسبة لسكان طرابلس المحاصرين.
كما قال الثوار إن تباطؤ الناتو في ضرب الكتائب داخل وحول طرابلس هو الذي أضعف موقفهم نسبيا في التقدم نحو العاصمة، وهو ما جعلهم يصرحون بأنهم يحاولون تغيير إستراتيجيتهم عبر تنظيم صفوف الثوار داخل العاصمة للقيام بعمل عكسري يؤدي إلى إنهاء حكم العقيد القذافي.
لكن قادة في الحلف يردون على مثل تلك الاتهامات بالتأكيد على أنهم يبذلون كل ما في وسعهم لكن مع اعتبار ضرورة حماية المدنيين، وقالوا إن كتائب القذافي باتت تستخدم نفس أساليب الثوار في التحرك حيث يرتدون ملابس مدنية ويتنقلون في سيارات مدنية أيضا، وقد صعب على الناتو في بعض الأحيان التفريق بين الكتائب والثوار، الأمر الذي أدى إلى قصف مجموعات من الثوار كما حصل غربي إجدابيا الشهر الماضي.
جدل حول الأهداف
ولم تتوقف اتهامات الحلف بالتباطؤ بل وصلت إلى الحد الذي قال فيه البعض -مثل رئيس البعثة الأفريقية بشأن ليبيا جاكوب زوما- إن الحلف يستهدف تغيير نظام القذافي، وهذا لا يجيزه قرار مجلس الأمن 1973.
وأكدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية نقلا عن عضو مجلس النواب مايك تيرنر المعارض للمشاركة الأميركية في الحملة، أن الأميرال صامويل لوكلير الذي كان يقود العمليات المشتركة للناتو قد أخبره الشهر الماضي باستهداف الناتو للقذافي وأنهم يسعون لتصفيته. يأتي ذلك رغم تأكيد مستمر لإدارة أوباما على أن "تغيير النظام" ليس هدف للحملة.
وأشارت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى الغموض "الذي يكتنف موقف المسؤولين الغربيين من هذه المسألة"، واستدلت بتصريح أحدهم عندما قال "نحن نستهدف بنايات فإذا حصل أن وُجد القذافي في إحداها، فذلك ما نصبو إليه".
خلافات داخل الحلف
ربما قادت هذه النقاشات والجدل المتسع بشأن مهمة الحلف إلى ظهور علامات على ضعف عزم بعض الدول في الاستمرار بدورها في الحملة، ولعل آخر هذه العلامات قرار مجلس النواب الأميركي يوم الجمعة الماضي بعدم السماح للقوات الأميركية بالمشاركة.
كما تقول بعض الصحف إن هذا التصويت دعمه حلف غير معتاد من الديمقراطيين والجمهوريين المنتمين لحركة "حفل الشاي". طبعا يضاف إلى ذلك تصريحات وزير الخارجية الإيطالي والقائد العسكري البريطاني.
القوات البرية
تعلقا بهذا الجدل بشأن حملة الناتو الجوية، بات بعض المحللين العسكريين يتحدثون عن أن العمل العسكري الجوي لا يمكن أن يحقق انتصارا في الحروب.
ويقول شاشاناك جوشي الباحث في معهد "الخدمات الملكية المتحدة"، وهو معهد أبحاث ودراسات بريطاني، إنه "ليس لدينا نموذج سابق لتغيير نظام تم عن طريق القصف الجوي وحده"، ثم يستطرد جوشي بقوله إن الحالة الوحيدة ربما هي حالة كوسوفو، لكن كان هناك فارق عن ليبيا، ففي كوسوفو كان القصف الجوي أعنف كثيراً من القصف الحالي في ليبيا، علاوة على أن قوات الحلفاء لوحت في ذلك الوقت باحتمال استخدام قوات أرضية، وكان هذا الاحتمال هو الذي دفع زعيم الصرب سلوبودان ميلوسوفيتش للاستسلام.
وربما هذا يفسر تصريحات كاميرون الأخيرة بأن قوات بلاده ستواصل عملها في ليبيا حتى بعد رحيل القذافي إذا اقتضى الأمر ذلك.
لكن من المؤكد أن الثوار في ليبيا وعددا من الدول العربية يرفضون أي تدخل بري لقوات أجنبية خصوصا الغربية، وهذا ما دفع بالكثير من القادة الغربيين بمن فيهم قادة الولايات المتحدة إلى النفي المستمر لوجود أي نية بإرسال قوات برية إلى ليبيا.