تجمع العشرات من الأسر عند الكثبان الرملية، ليمتعوا نواظرهم بتلاطم أمواج البحر ومنظر الغروب.
وليس بعيدا من هنا، منظر إحدى راجمات الصواريخ القلائل التابعة للقوات المعارضة لحكم الزعيم القذافي تقصف بحممها، عصرا، مواقع القوات الحكومية.
وعلى غير العادة، عم الهدوء المكان، وبدلا عن دوي المدافع، ملأت الجو صيحات فرح مجموعة من الصبية وقهقهاتهم، وهم يخوضون بمياه المد البحري.
وأنا أعلم أن مصراته مدينة محاصرة دمرتها قذائف مدفعية العقيد القذافي وصواريخه، وتحيط بها خطوط القتال التي تشهد انتصار هذا الطرف أو ذاك أو دحرهما في وضع يسوده عدم ثبات خطوط القتال بين الطرفين المتناحرين.
غير أن الثابت في تأرجح هذه الكفة أو تلك هو ازدياد عدد ضحايا القتال الذين يودع فيها أهالي مصراته كل يوم كوكبة منهم الى مثاويهم الأخيرة، خصوصا الشبان منهم.
لكن بالرغم من الضغط الهائل الذي يعانيه الناس، فما زال هناك نوع من الجو الذي يمكن وصفه بالرائق بين الفينة والفينة.
الخوف والتشكك والصعوبات فالأسر تنطلق نحو الشواطئ لقضاء أوقات هانئة، والاطفال، الذين يشعرون بالملل، يطالبون بتوفير وسائل التسلية، ومقاتل شاب ينطلق صوب بيته لاحتضان طفل وليد، ومراهقون يكادون ينوؤن تحت وطأة أسلحتهم، ينظمون مباراة لكرة القدم.
ويبدو لكثيرين هنا أن الرغبة في "الاسترخاء" تكاد تكون غريبة وغير مريحة بالمرة، في آن.
لقد مرت أكثر من ثلاثة أشهر منذ أن اندلع القتال في مصراته، وسكانها يعانون مأزقا قاتلا قوامه الخوف والريبة والصعوبات.
وكانت هناك لحظات من الشعور العام بالخلاص، خصوصا في أيار/مايو الماضي عندما تمكنت قوات المعارضة من طرد قوات العقيد القذافي، وتوقف قصف المدينة، ولكن لفترة وجيزة.
ومع تواصل المعارك خارج المدينة، فإن أغلبية السكان مترددون في التخلي عن التزام الحيطة والحذر، وإن للحظة.
ولي صديق ليبي اصطحب بناته اليافعات الثلاث في نزهة على الشاطئ، بعد سقوط صاروخ في منطقة تبعد عن منزل الأسرة مسافة 200 متر.
ويقول هذا الصديق، "من المفيد، في بعض الأوقات، الادعاء بأن كل شيء على ما يرام."
لكن المقاتلين الشبان، الذين يقودون سياراتهم (البيكاب) بسرعة، غالبا ما يظهرون مشاعر "الدعة".
ويشير زميل آخر الى أنه شاهد مجموعة منهم وهم يؤنبون مجموعة من الرجال ممن يكبرونهم سنا، لأنهم كانوا يجلسون في مقهى، وقالوا لهم إن تصرفهم "غير لائق".
ومما لاشك فيه، فإن الأصعب من ذلك كله هو معرفة كم من الوقت ستستمر الأوضاع على هذه الحال.
"أسبوعان"، هو الجواب المفضل لدى الناس هنا.
لكن الأوضاع على حالها لمدة تزيد على الشهر، مما يجعل الناس يحجمون عن التكهن بقرب انفراج الأمور.