توفيق عابد-عمّانوصف الناقد محمد سلام جميعان النتاج الأدبي للأديب سليمان الأزرعي بأنه استغراق في الوجدان الشعبي والحياة اليومية للقرية الأردنية وهموم أهلها، ورفض الخرافة والأسطورة والتشكيك في العوالم الميتافيزيقية التي
تقوم على استغفال البسطاء والمتاجرة بالدين.
لكن الأزرعي نفسه رأى أن مذهبه الأدبي واقعي اشتراكي "غير عصبوي وأكثر التصاقا بالحياة وتعبيرا عنها"، وقال إن الواقعية هي "الأكثر عطاء وحيوية في غياب "الحزبوية" (التحزّب الأعمى) التي تفسد الإبداع والأدب.
جاء ذلك في ندوة نظمها منتدى الرواد الكبار مساء الثلاثاء ضمن برنامجه "مبدع وتجربة" الذي يستضيف فيه كبار الروائيين والشعراء ورجال الفكر والفن.
غضب الطفولة
وقال الناقد جميعان في شهادته التي حملت عنوان "سليمان الأزرعي.. كابوسية الواقع وحلم الإبداع" إن هذا الأديب شخصية مركبة تجاوزت الأزمات ومنحنى الخوف، فقد ظل يحمل غضب الطفولة متمردا على التقاليد المرهقة التي تفرضها شروط الواقع الأسري الخاص والاجتماعي العام.
ورأى جميعان أن روايتي الأزرعي وأربع مجموعات قصصية تسجل مشاعر النفس وأفكارها وأوهامها وذكرياتها ومخاوفها ورغباتها وأحلامها وكوابيسها، وتطرح قضايا مثيرة للتفكير والجدل.
ووفق جميعان فإن الأزرعي ليس مجرد كاتب وناقد ومفكر وقاص بل هو حراك ثقافي وسياسي كامل يستلهم إنجازه من أمانته الطبيعية "أمانة النص.. وأمانة منتجه" ويوازن بين عالمين، الأول يصفه بأنه أثيري محبب وهو القرية والناس المهمشون، والثاني مفكك محطم وملوث وهو عالم المدينة الذي يقتلع الجذور ويذوّب الهويات.
ولفت إلى أن الأزرعي مسكون بالبعد القومي في منحاه القصصي فهو قومي بالفطرة بالرغم من "التباسه بالماركسية والتباسها به"، ويغلب على قصصه السرد بضمير الأنا المتكلم في التعبير عن الحدث والتماهي والتقنع بالشخصيات القصصية، حيث إن "القصة ليست محض نشاط ذهني معزول عن حاجات المجتمع".
القراءة والكتابة
بدوره قال الأزرعي إن الحياة السياسية في أوساط اليسار منذ ستينات القرن المنصرم جذبته وبات ملتزما حزبيا لكن انتماءه لهوسه الأدبي لم يكن يعادله أي التزام آخر، وقال إنه قرأ 13 ألف كتاب: "القراءة علمتني الكتابة".
ووصف "القراءة والكتابة" بأنها قضيته فقد قرأ في السجن معظم التراث العربي الذي قصّر بمتابعته في حياته اليومية قبل السجن، وتوصل إلى أن رأس هرم التراث اللغوي العربي هو القرآن الكريم المرجع الأول لكل مشتغل باللغة والأدب والتراث.
يُذكر أن الأزرعي مسيحي من بلدة الحصن في شمال المملكة.
مضارب القبيلة
من جهته قال الناقد محمد قواسمة إن تجربة الأزرعي القصصية تنحصر في رصد حركة الواقع ودور الإنسان العادي وغالبا ما يعرض عالمه الإبداعي تجارب ذاتية محضة تحمل ملامح من شخصيته، ودلل على ذلك بما ورد في مجموعاته القصصية وخصوصا "البابور" و"القبيلة".
وقال قواسمة للجزيرة نت إن قصة "المعبر" من مجموعة "القبيلة" تدل على موقف الأزرعي من الصراع العربي الإسرائيلي وفيها ينتصر بطلها ويقترب من المؤلف بوصفه موظفا حكوميا كان قد شارك في حفل افتتاح معبر "الشيخ حسين" الحدودي بين الأردن وإسرائيل شمال المملكة فتغدو لديه قناعات بضرورة تسوية الصراع.
ووفق قواسمة فإن الأزرعي لا يلجأ لاستخدام التقنيات الحديثة ولا يغرق في اعتماد الغرائبية والأساطير وإنما يتناول الواقع ببساطته وينهل من تجربة السجن، كما ينتقل بإبداعه لمضارب القبيلة ومرابع القرية ويبقى أسيرا لتلك الأمكنة.
موروث شعبي
بدوره يرى الروائي أحمد أبو صبيح أن الأزرعي مسكون بالهم الثقافي وكثيرا ما يشغله الهم الإنساني، فروايته "عودة الذيب" التي تتحدث عن الثورة السورية ضد الحكم العثماني مشبعة بالموروث الشعبي، والقارئ يجد نفسه ضمن شخصياتها.
وفي حديثه للجزيرة نت قال أبو صبيح إن الأزرعي أبدع في إخراج القصص التي تخاطب المواطن العربي، وفي نقده لأعمال زملائه يدخل "جوانية" الكاتب فتراه يحلل ويناقش الأسلوب والظروف المحيطة.
وكانت مديرة المنتدى هيفاء البشير وصفت في بداية الندوة التي أدارها الروائي والشاعر عبدالله رضوان الدكتور الأزرعي بأنه صاحب تجربة سياسية طويلة.
يُذكر أنه صدرت للأزرعي روايتان هما "بئر الخزين" و"عودة الذيب" وخمس مجموعات قصصية هي " البابور" و" الذي قال أخّ أولا" و"جمار منتقاة" و"القبيلة "و"فالنتين" ومسرحية "مناجل التعب".
كما صدر له عشرة مؤلفات نقدية منها "الشاعر القتيل" و"لعنة المدينة" و"فلسطين في الرواية الأردنية" و"العبور إلى الحاضرة" و"ابحث عن وطن".