ومع ذلك فأنا لست مع توجيه الاتهامات المرسلة لمبارك وأسرته، فهم يستحقون محاكمة عادلة تستند إلى وقائع محددة، وقد يكون من الملائم تشكيل محكمة خاصة لآل مبارك، خصوصا أن البلاغات ضده كما أعلن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود لا تقتصر فقط على اتهامه بالاستيلاء على المال العام أو استغلال النفوذ للحصول على عمولات، ولكنها تشمل اتهامات سياسية تتعلق بدوره فى الاشتراك فى قمع مظاهرات ثورة 25 يناير السلمية التى أسفرت عن مقتل المئات وإصابة الآلاف.
فهذا الاتهام يفتح الباب أمام التحقيق مع مبارك فى العديد من الوقائع التى تتعلق بعدم احترامه للدستور الذى أقسم على الولاء له، وعلى إفساد الحياة السياسية من خلال تزوير الانتخابات واحتكار الحزب الوطنى للحكم، وإضعاف أحزاب المعارضة وضربها بالتدخلات الأمنية فى شئونها، وفتح السجون والمعتقلات أمام آلاف المعارضين، والسعى الدءوب لتوريث الحكم لابنه جمال فى انقلاب سافر على النظام الجمهورى، بالإضافة إلى مسئوليته عن الأسمدة المسرطنة والغذاء الفاسد الذى أدى لإصابة ملايين المصريين بأمراض مزمنة، والانهيار فى الخدمات الصحية والتعليمية، وأخيرا وليس آخرا سكوته عن فساد طالت حكاياته أفراد أسرته وكبار وزرائه ومساعديه.
حينما تكلم مبارك للعربية، تجاهل تماما كل هذه الوقائع، وتصور أن براءته المحتملة من تهم الفساد المالى، ستحول دون محاكمته سياسيا، وأنه سيخرج كالشعرة من العجين من تهم إفساد حياة المصريين طيلة 30 عاما. إلا أن بيان النائب العام الذى أكد التحقيق مع مبارك بتهمة اشتراكه فى قتل المتظاهرين، جاء ليضع الأمور فى نصابها، وليتسق مع روح ثورة يناير التى لن تستطيع أن تبنى الدولة الديمقراطية الجديدة قبل هدم أوكار الدولة القديمة، بداية من أكبر رأس فيها حتى أصغر مسئول فاسد.