في كلمة
خيبت آمال الكثير من السوريين، تحدث الرئيس السوري بشار الأسد بصورة
ارتجالية أمس بعد نحو أسبوعين على اندلاع الاحتجاجات المعارضة في عدد من
المدن السورية، ليضع اللوم في
الأزمة الداخلية على «متآمرين» في
الخارج والداخل، من دون أن يعلن أي خطوات إصلاحية جديدة أو يعلن رفع حالة
الطوارئ المفروضة منذ عام 1963، كما كان متوقعا.
وفي تحد واضح وإشارة إلى عدم استعداده للرضوخ لمطالب المتظاهرين، أعلن
الأسد استعداده لمواجهة هذه «المؤامرة»، وقال: «المؤامرة كبيرة، ونحن لا
نسعى لمعارك.. الشعب السوري شعب مسالم وودود، ولكننا لم نتردد يوما في
الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا.. وإذا فرضت علينا المعركة اليوم
فأهلا وسهلا بها».
وكان نائب الرئيس فاروق الشرع، أعلن يوم الاثنين الماضي أن «الرئيس بشار
الأسد سيلقي كلمة مهمة خلال اليومين القادمين تطمئن كل أبناء الشعب»، وفق
ما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
واختار الأسد أمس مجلس الشعب مكانا يخاطب من خلاله الشعب السوري واصفا
اللحظة الراهنة التي تمر بها البلاد بأنها «استثنائية» وأن الأحداث
والتطورات امتحان للوحدة الوطنية، معتبرا أنه «امتحان تشاء الظروف أن يتكرر
كل حين بفعل المؤامرات المتصلة». ورفض الأسد إعلان جدول زمني لتطبيق
الإصلاحات، وقال إن هناك برنامج إصلاحات قائم أصلا، وقال: «البقاء دون
إصلاح هو مدمر للبلد. التحدي الأساسي أي إصلاح نريد».
واعترف الأسد، الذي لاقى انتقادات بسبب تأخره في التوجه إلى شعبه، بأنه كان
من المفترض أن يتحدث للشعب السوري قبل أسبوع، ولكنه قال إنه تأخر «بشكل
مقصود» ريثما تكتمل الصورة في ذهنه، ولكي يكون الحديث «بعيدا عن الإنشاء
العاطفي الذي يريح الناس». واعتبر الرئيس السوري أن «سورية اليوم تتعرض
لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة، ولها بعض الخيوط داخل
الوطن، تعتمد هذه المؤامرة في توقيتها، لا في شكلها، على ما يحصل في الدول
العربية». واعتبر أن «جانبا مما يحصل اليوم متشابه مع ما حصل في 2005»،
ملمحا بذلك إلى المرحلة التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق
الحريري واتهمت فيها أطراف لبنانية سورية بالضلوع في عملية الاغتيال.
وحول قانون الطوارئ وما قيل حول رفعه، قال الأسد: «نستطيع أن نؤجل أحيانا
معاناة معينة قد يسببها قانون الطوارئ أو غيره من القوانين أو الإجراءات
الضرورية التي يعاني منها المواطن، ولكن لا نستطيع أن نؤجل معاناة طفل لا
يستطيع والده أن يعالجه لأنه لا يمتلك الأموال، والدولة لا يوجد لديها هذا
الدواء أو هذا العلاج وهذا شيء نتعرض له بشكل مستمر». وأكد أنه «لا يوجد
عقبات في الإصلاح، يوجد تأخير، وإن من يعارضون الإصلاح هم أصحاب المصالح
والفساد»، معبرا عن اعتقاده بأن التحدي الآن هو «ما نوع الإصلاح الذي
نريد؟»، محذرا من «إخضاع عملية الإصلاح للظروف الآنية التي قد تكون عابرة
لكي لا نحصد النتائج العكسية»، معتبرا الأزمات «حالة إيجابية» إن تمت
السيطرة عليها والخروج منها «رابحين».
وأشار إلى «التحولات الكبرى التي تحصل في منطقتنا منذ أشهر»، متوقعا أن
«تترك تداعياتها على كل المنطقة من دون استثناء؛ ربما الدول العربية، وربما
أبعد من ذلك، وهذا الشيء يعني سورية من ضمن هذه الدول». كما رأى أن هذه
«التحولات ستؤدي إلى تغيير مسار القضية الفلسطينية من مسار التنازلات إلى
مسار التمسك بالحقوق» مشيرا إلى أن «الغرض من المؤامرة على سورية كان أن
تسقط وتزال آخر عقبة من وجه المخطط الإسرائيلي». وأكد الرئيس أن حزمة
الإجراءات التي أعلن عنها الخميس «لم تبدأ من الصفر» مشيرا إلى أن «القيادة
القطرية أعدت مسودات قوانين؛ سواء في ما يتعلق بقانوني الأحزاب، أو
الطوارئ، منذ أكثر من عام». وأشار الأسد إلى «قوانين أخرى سيتم عرضها على
النقاش العام». وتأتي كلمة الأسد غداة موافقته على «استقالة الحكومة
السورية برئاسة محمد ناجي عطري وتكليفها بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة
جديدة» التي سيكون من مهاما البدء بتنفيذ برنامج الإصلاحات. ورأس عطري منذ
2003 الحكومة السورية التي أجرى عليها عدة تعديلات منذ ذلك التاريخ. وسخر
الأسد مما سماه «صرعة جديدة» بمعنى «موضة التي يسمونها ثورات»، وقال: «نحن
لا نسميها كذلك»، وقال إن «المتآمرين قاموا بالخلط بين ثلاثة عناصر:
الفتنة، والإصلاح، والحاجات اليومية». ووصف المتآمرين بأنهم «قلة» مضيفا:
«حتى نحن في الدولة لم نكن نعرف حقيقة ما الذي حصل حتى بدأت عمليات التخريب
بالمنشآت»، وقال إن «المتآمرين بدأوا أولا بالتحريض قبل أسابيع قليلة من
الاضطرابات في سورية في الفضائيات والإنترنت ولم يحققوا شيئا، وانتقلوا بعد
الفتنة إلى التزوير، زوروا المعلومات والصوت والصورة وكل شيء». وأضاف:
«لذلك أخذوا المحور الآخر، المحور الطائفي، واعتمدوا على التحريض ورسائل
ترسل بالهواتف المحمولة تقول لطائفة ما انتبهوا من الطائفة الأخرى ستهجم..
ولتعزيز مصداقية هذا الشيء أرسلوا أشخاصا ملثمين يدقون الأبواب على حارتين
متجاورتين من طائفتين ليقولوا للأولى الطائفة الثانية أصبحت في الشارع
ليتمكنوا من إنزال الناس إلى الشارع». وأكد الأسد أنه من «خلال الفعاليات
تم التمكن من درء الفتنة، ولكن المتآمرين تدخلوا بالسلاح وبدأوا بالقتل
العشوائي لكي يكون هناك دم وتصعب المعادلة». إلا أن الأسد أضاف أنه لم يتم
الكشف بعد عن «بنية المؤامرة كلها» وأن ما ظهر هو «جزء منها وكلها بنية
منظمة». وقال إن هناك «مجموعات دعم لها أشخاص في أكثر من محافظة وفي
الخارج، ومجموعات إعلام، ومجموعات تزوير، ومجموعات شهود العيان»، ووصفها
بأنها «مجموعات منظمة مسبقا». وفي ما يتعلق بالأحداث التي جرت في درعا،
أعفى الأسد أهالي درعا من «أي مسؤولية في ما حصل»، وقال إنهم «يحملون معنا
المسؤولية في وأد الفتن». ووصف أهل درعا بـ«أهل الوطنية الصادقة والعروبة
الأصيلة والنخوة والشهامة والكرامة»، وقال: «هم من سيقومون بتطويق القلة
القليلة التي أرادت إثارة الفوضى وتخريب اللحمة الوطنية». وأضاف الأسد:
«الدماء التي نزفت هي دماء سورية، وكلنا معنيون بها، لأنها دماؤنا؛
فالضحايا هم إخوتنا وأهلهم هم أهلنا، ومن الضروري أن نقف على الأسباب
والمسببين ونحقق ونحاسب، وإذا كان الجرح قد نزف، فليكن ذلك من أجل أبناء
الوطن وليس من أجل تفريقهم.. من أجل قوة الوطن، وليس من أجل ضعفه.. من أجل
ضرب الفتنة، وليس من أجل تأجيجها. ولنعمل بأقصى سرعة على رأب الجرح لنعيد
الوئام لعائلتنا الكبيرة».
ودعا الأسد إلى «وأد الفتنة» باعتبارها «واجب وطني وأخلاقي وشرعي». وقال:
«كل من يستطيع أن يساهم في وأدها ولا يفعل، فهو جزء منها، وكل من يتورط
فيها عن قصد أو من غير قصد، فهو يعمل على قتل وطنه، ولا مكان لمن يقف في
الوسط، فالقضية ليست الدولة، بل الوطن، والمؤامرة كبيرة، ونحن لا نسعى
لمعارك». وكشف الأسد عن وجود إجراءات «لم يعلن عنها بعد» منها ما هو متعلق
بتعزيز الوحدة الوطنية، والبعض الآخر متعلق بمكافحة الفساد، وبالإعلام
وزيادة فرص العمل، يتم العمل عليها، وستعلن عند انتهاء دراستها وستكون من
أولويات الحكومة الجديدة. لقطات من خطاب الأسد:
* قوطع الرئيس السوري بشار الأسد مرارا بالتصفيق والهتافات «بالروح بالدم
نفيدك يا بشار» من قبل أعضاء مجلس الشعب خلال إلقائه كلمته أمس، في تكرار
لمشهد دخوله عام 2000 لأداء القسم لدى تسلمه السلطة في سورية.
* دامت كلمة الأسد 40 دقيقة، استشهد خلالها أكثر من مرة بآيات قرآنية.
* قاطع أحد النواب الأسد في نهاية الخطاب تقريبا وهتف يقول: «الوطن العربي قليل عليك يا سيدي. يجب أن تقود العالم».
* سجل عدد السيدات الأعضاء في مجلس الشعب اللاتي قاطعن الأسد لكيل عبارات
المديح وإعلان الولاء المطلق له، ازديادا ملحوظا، حيث كانت هذه المقاطعات
حكرا على الأعضاء الرجال في الخطابات السابقة للرئيس بمجلس الشعب.
* بعد انتهاء الخطاب صافح الأسد كل الأعضاء؛ منهم من اكتفى بالمصافحة، ومنهم من استغل المناسبة لفتح حديث مع الأسد.