وريتشارد مكروجر
امنعوا ''البطاطا الفرنسية المقلية''. أربكت وتيرة التغيير السريع الذي
يكتسح العالم العربي العديد من صانعي السياسة الغربيين. غير أن المفاجآت
امتدت إلى خارج المنطقة. فقد كشفت الثورات الشرق
أوسطية عن سياسة
أمريكية خارجية أكثر جبنا مما اعتاد عليه العالم، وبرز موضوع لافت للنظر
بصفته الموضوع المحبب للمحافظين الجدد في واشنطن - فرنسا.
في حين مارس الفرنسيون الضغوط بقوة من أجل تنفيذ عمل عسكري ضد ليبيا، تداول
باراك أوباما وفريقه الشأن لمدة أسابيع قبل أن يخرج بنتيجة لصالح قرار
الأمم المتحدة - الأمر الذي جلب استهزاءات بشأن رئيس اعتبر ''المتفرج
الرئيس''.
لخص إريك إدلمان، نائب وزير الدفاع إبان إدارة جورج دبليو بوش - حينما قام
بعض المتعصبين أثناء مخاضات الحرب على العراق بإعادة تسمية البطاطا
الفرنسية المقلية؛ نكاية لمناهضة فرنسا الحرب ضد العراق في 2003، من منطلق
وطني - المرارة التي يشعر بها أولئك الذين لمسوا أن واشنطن يجب أن تكون
أكثر تأكيدا. وقال في هذا الصدد: ''يبدو أن هذه الإدارة مقتنعة تماما بأن
تجعل قائد العالم الحر، نيكولا ساركوزي، يمضي قدما فيما يتعلق بجميع هذه
القضايا''.
يجادل مسؤولو الإدارة بالقول إن ليبيا حالة خاصة، حيث إن الولايات المتحدة
تنظر إلى بلدان مثل مصر، والبحرين، واليمن على أنها أكثر أهمية استراتيجية.
ويبدو أن أوباما رئيس حذر بشكل استثنائي، ويقول البعض إنه متردد. ولكن في
جميع الأحوال، فإن خطوط اتجاه السياسة الأمريكية واضحة تماما.
حيث إنها تواجه امتدادا عسكريا يفوق قدرتها، ودينا حكوميا هائلا، وسخطا
شعبيا بسبب الحروب الأجنبية، تتطلع واشنطن إلى شركائها لكي يفعلوا المزيد،
حتى لو أن ذلك يعني أن تلعب الولايات المتحدة مجرد دور داعم. وبناءً عليه،
حينما قام أوباما بتحذير معمر القذافي بعمل عسكري وشيك، حدد بشكل خاص أن
ليس الولايات المتحدة، وإنما بريطانيا، وفرنسا، والدول العربية هي التي
أخذت دور القيادة - إنذارا يناقض تماما إنذارات حقبة بوش.
أضاف الرئيس قائلا، قبل فترة وجيزة من مغادرته في رحلة إلى البرازيل: ''هذه
تحديدا الكيفية التي يجب أن يعمل المجتمع الدولي بها، في الوقت الذي يتحمل
فيه المزيد من البلدان مسؤولية، وتكلفة تطبيق القانون الدولي''. والمشكلة
هي، كما أوضح الارتباك حول قيادة المهمة في ليبيا خلال الأيام القليلة
الماضية، أن ذلك عبارة عن تحول أسهل نظريا منه على واقع الممارسة العملية.
إن عالما اعتمد على، وتراجع عن، بشكل متبادل القيادة الأمريكية العالمية،
سيجد من الصعب أن يصبح معتادا على أمريكا التي تتخذ وجهة نظر مدروسة على
نحو أكبر إزاء متى، وكيف تتدخل في الخارج. ولكن، حسبما قالت هيلاري
كلينتون، وزيرة الخارجية، بصيغة سلبية بشكل لافت للنظر عشية تصويت الأمم
المتحدة: ''ستكون لأي عمل أحادي الجانب عواقب غير مقصودة لا يمكننا تحملها:
إذا كان هناك قرار دولي في مجلس الأمن، عندئذ ستنضم الولايات المتحدة إلى
المجتمع الدولي''.
لا يمكن أن يكون الاختلاف عن صيغة حقبة بوش - ''أنت معنا، أو ضدنا'' - أوضح من ذلك.
تقول مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية سابقا: ''لقد قوّض العراق الكيفية التي يشعر بها الأمريكيون حيال التدخل''.
وصف بيل كلينتون في السابق الولايات المتحدة بأنها ''دولة لا يمكن
الاستغناء عنها''، بسبب المزيج الفريد من القوة المتشددة، واللينة التي
أعطتها امتدادا عاليا على النقيض من أي دولة أخرى. ولكن حينما يتعلق الأمر
بليبيا، يبدو أن أوباما كما لو أنه يفضل الاستغناء عن القيادة الأمريكية.
قال في الأسبوع الماضي حول توقعاته للأيام المقبلة: ''لن تكون طائراتنا هي التي تراقب منطقة حظر الطيران''.
تقول آن - ماري سلاوتر التي كانت حتى الشهر الماضي رئيسة السياسة في وزارة
الخارجية: ''إنه رئيس ما زال بإمكانه الترشح عام 2012 على أساس أنه أخرجنا
من حربين اثنتين. ولن يفعل شيئا يشتتنا عن أفغانستان. وينسجم ذلك تماما مع
ما أطلق عليه مذهب أوباما - أن على البلدان الأخرى أن تفعل المزيد ضمن نظام
دولي أكثر تنوعا''.
ثمة حساب انتخابي في نهج أوباما، غير أن تحفظه يتعلق بأكثر من مجرد
الانتخابات الرئاسية عام 2012. وينطوي ضمن موضوع ليبيا، والجدل بشأن الشرق
الأوسط، مجموعة من الألغاز القديمة والجديدة - حول إلى أي حد ينبغي الدفع
باتجاه الإصلاحات الديمقراطية مع الحلفاء الاستراتيجيين، وما هي حدود قوة
الولايات المتحدة لتفعل ذلك، وثورات أشعلتها مطالب منشؤها محلي من أجل
تغيير النظام.
داخل البيت الأبيض، وبين الديمقراطيين عموما، أحيت ليبيا انقساما طويل
الأجل بين مؤيدي التدخل الليبراليين، والجناح الواقعي في الحزب. وعلى أحد
جوانب الجدل الداخلي، هناك مسؤولون مثل سوزان رايس، سفيرة الأمم المتحدة،
وسامانثا باور، وميشيل مكفاول، وكلاهما من مساعدي البيت الأبيض. وجميعهم
يؤمنون بقوة في ''قيم'' تعتمد على الدبلوماسية، أي التدخل تحت مسمى آخر،
وهو المعسكر الذي يتم تحديد هيلاري كلينتون به بشكل متزايد. وعلى الجانب
الآخر هناك مسؤولو السياسة الخارجية الأقرب إلى أوباما في البيت الأبيض -
بشكل رئيس توم دونيلون، مستشار الأمن القومي، ودينس مكدونوف، نائبه - الذي
يأتي من مدرسة أكثر عملية. ويرأس هذا الجدل أوباما. وبتفكير متعمق على نحو
مزاجي، ينبغي إقناعه بحجة التدخل قبل أن يلتزم بإرسال الجنود إلى الخارج.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، طالما كانت السياسة الخارجية ممزقة بين
غرائز البلاد، لدعم الديمقراطية، ومصالحها، وعلى وجه الخصوص لإبقاء النفط
يتدفق خارج الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط. وأصبح فجأة تجاوز هذا
الاعتقاد أصعب من ذي قبل على الإطلاق. ويسأل مستشار لإدارات متعاقبة قائلا:
''قمنا بتخفيف غرائزنا من أجل الديمقراطية مقابل الاستقرار في الشرق
الأوسط. ولكن ذلك الاستقرار تمزق الآن، فإلى أين نذهب؟''.
يضاف إلى ذلك تناقض الديمقراطية. وفي الأجل الطويل، يمكن للديمقراطية أن
تجعل بلدا ما مستقرا، لكن الوصول إلى ذلك أمر يزعزع الاستقرار بشكل متأصل.
تقدم ليبيا بحد ذاتها اختبارا ملونا بشكل غامض لصنع السياسة. ويقول
المستشار: ''إن المكان الذي لدينا فيه أقل المصالح في الشرق الأوسط هو
ليبيا. وإنه لكرم أن نطلق عليها اسم دولة رغم ذلك''. ويشير إلى الجزيرة
التي تأوي الأسطول الخامس الأمريكي، وتخاطر بأن تعلق في صراع حرب بين
السعودية الغنية بالنفط، وإيران، حيث يضيف: ''إن المكان الذين لدينا فيه
أكبر المصالح هو البحرين''.
أشارت إدارة أوباما لغاية الآن إلى أنها توافق على هذا التقييم. وفي قرار
مهم على المستويين الرمزي، والعملي، قررت واشنطن عدم نشر أي من ناقلتي
الطائرات الأقرب إلى البحر المتوسط في ساحل ليبيا. وبدلا من ذلك، بقيت
الناقلتان في شمال بحر العرب، مشتركتين في الحرب في أفغانستان، ويرسل
موقعهما رسالة إلى دول الخليج وإيران على سواء.
في كل مكان آخر، يصر مسؤولو الإدارة على أن تركيزهم الرئيس يبقى، ليس على
ليبيا، وإنما على مصر، جارتها إلى الشرق، والتي يصفها دونيلون بأنها
''مركزية فعليا بشكل مطلق للأحداث في الشرق الأوسط التي شهدناها عام
2011''. ويعتمد الانتقال الديمقراطي الناجح هناك، حسبما يقول المسؤولون،
على الإصلاح الاقتصادي إلى حد كبير، مثلما يعتمد على التغيير الديمقراطي،
من أجل معالجة السبب الرئيس للاضطرابات، ''العدد الضخم'' من الشباب من دون
وظائف.
لدى مقارنته الدفع باتجاه التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط، بالثورات
المناهضة للشيوعية عام 1989، قال ويليام بيرنز، نائب وزير الخارجية
الأمريكي، خلال الأسبوع الماضي: إن تقديم المساعدة لجعل تلك الانتقالات
تسير بالشكل الصحيح كان ''تحديا مهما للسياسة الخارجية الأمريكية، مثل أي
تحدٍ واجهناه منذ نهاية الحرب الباردة''.
في رواية على الأرجح أن تكون الأوضح والأشمل للتفكير الأمريكي، يحدد بيرنز
أربعة أهداف رئيسة للمنطقة، إلى جانب ''اهتمام واشنطن الواضح بتطوير
استقلال أقوى في مجال الطاقة'': التغيير الديمقراطي المسالم، والتحديث
الاقتصادي، والسلام العربي - الإسرائيلي، والأمن القومي، وتحديدا مقاومة
إيران.
مع ذلك، هنالك حقيقة وحشية أخرى أثرت كذلك على تفكير أوباما، وهي أن القوة الأمريكية لم تعد كما كانت عليه ببساطة.
على الرغم من ذلك، ما زالت واشنطن تبث رسائل مختلطة، حسبما يقول ديفيد روثكوبف، المسؤول السابق في إدارة كلينتون.
يقول روثكوبف في هذا الصدد: ''يبدو أن الخط الأمريكي في اتجاه الإصلاحات
يسير في بلدان طالما لا تنتج الكثير للغاية من النفط. ويبدو أننا نؤيد
الديمقراطية بالنسبة إلى الشيعة في إيران، ولكن ليس الديمقراطية بالنسبة
إلى الشيعة في البحرين... وهذه هي مشكلة السياسة الحقيقية، حيث تقيّم
مصالحك، وتتأكد من مبادئك قبل دخول الباب''.
في الوقت الذي يتأرجح فيه الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، ويستمر التشدد
في البحرين، ما زالت الأزمة تلوح مقبلة. وفي غضون ذلك، يبدو أن أوباما
مصمم على الاستمرار في نهج الإدارة الضعيف، ويتطلع إلى الحلفاء ليقوموا
بالمزيد من الأعمال الشاقة.
في واقع الأمر، نظم البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) فعليا مثل هذا
التوقع في أحد مراجعة للدفاع تنجز كل أربع سنوات، وثيقة سياسة رسمية نشرت
في العام الماضي. وتتطلع المراجعة إلى حلفاء الولايات المتحدة وشركائها
لفعل المزيد لتحمل عبء المحافظة على السلام العالمي.
لكن، على الرغم من أن إدارة أوباما صممت على هذا الدور الأكثر طمسا للذات
في الشؤون العالمية، إلا أن هناك أسئلة حول ما إذا كان ذلك يمكن أن يدوم -
بعبارة أخرى، ما إذا كان العالم في حاجة إلى المزيد من القيادة الأمريكية
مقارنة بما تقدمه الولايات المتحدة.
على الرغم من تحفظات الولايات المتحدة - التي تتضمن الشكوك في البنتاجون
حول التدخل العسكري في ليبيا بشكل عام، ومنطقة حظر الطيران تحديدا - إلا أن
واشنطن هي المسؤولة عن القيادة والسيطرة في الأيام الأولى من المعركة التي
حطمت الدفاعات الجوية الليبية. ومن حيث الدبلوماسية الدولية، فإن الانتقال
إلى قيادة غير أمريكية يبرهن على أنه أكثر صعوبة من المتوقع، حيث أصبحت
الأجواء مشحونة بالغضب حينما ترددت فرنسا، وتركيا بشأن إعطاء حلف شمال
الأطلسي (الناتو) مسؤولية السيطرة العملية. وعلى الرغم من أن صفقة تبرز من
شأنها أن تعطي التحالف دورا للقيادة والسيطرة، ولكن دون أن تصبغ المهمة
رسميا على أنها مهمة الناتو، إلا أن التفاصيل لم تتضح بعد.
كان هذا يعني أن طموح أوباما لتسليم القيادة يبرهن أنه صعب التطبيق بشكل
محبط - على الرغم من أنه يبدو أن حماس الإدارة للقيام بذلك يتزايد، وسط
انتقادات من جانب الكونجرس (مجلس الشيوخ) للدور الأمريكي.
على نحو معبر، فإن الحجة الرئيسة التي يبديها الجمهوريون العاديون، وكذلك
الأمر بعض الديمقراطيين، ليست أن الإدارة تصرفت بشكل بطيء للغاية، لكنها لم
توضح على نحو كافٍ لماذا تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة ليبيا في المقام
الأول، وتخاطر بجرها إلى صراع مفتوح النهاية. وهناك الآن دعم جماهيري
أمريكي للتدخل في ليبيا، ولكن هذا الجمهور يخشى من الحرب بشكل عام. ووفقا
للسناتور ريتشارد لوجار، مبجل السياسة الخارجية الجمهوري، فإن ''الحقائق هي
أن ميزانيتنا مجهدة للغاية، وقواتنا المسلحة مجهدة للغاية كذلك''، وبناءً
عليه، ''يتطلب الشعب الأمريكي فهما كاملا، ومحاسبة تامة'' بواسطة إجراء
نقاش في الكونجرس.
تؤيد أولبرايت، الديمقراطية التي ساعدت خلال تسعينيات القرن الماضي على
رواج فكرة الولايات المتحدة بصفتها ''دولة لا يمكن الاستغناء عنها'' فكرة
المشاركة بالعبء في عالم متعدد الأطراف. وتقول: ''لا تعني عبارة لا يمكن
الاستغناء عنها أن تكون بمفردها. وأعرف أن الناس يعتقدون أن التعددية كلمة
مرعبة؛ لأنها تتضمن الكثير من المقاطع، وتنتهي بأحرف جامعة، لكنها تعني في
النهاية الشراكة فقط''.