قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36سبأ)
أن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاء
وامتحانًا لا يدل البسط على رضا الله عنه ولا التضييق على سخطه، { وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أنها كذلك
ليس ذلك دليل الكرامة والرضا ، فلا
تقاس التوسعة في الدنيا ، لأن ذلك في الآخرة إنما هو على الأعمال الصالحة . فربما
يوسع سبحانه على العاصي ويضيق على المطيع وربما يعكس الأمر وربما يوسع عليهما معاً
وقد يضيق عليهما معاً وقد يوسع على شخص مطيع أو عاص تارة ويضيق عليه أخرى يفعل كلاً
من ذلك حسبما تقتضيه مشيئته عز وجل المبنية على الحكم البالغة فلو كان البسط دليل
الإكرام والرضا لاختص به المطيع وكذا لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط لاختص به
العاصي وليس فليس ، والحاصل كما قيل منع كون ذلك دليلاً على ما زعموا لاستواء
المعادي والموالي فيه .
واحتجوا على رضا الله عنهم بإحسانه
تعالى إليهم ، فلو لم يتكرم عليهم ما بوسع علينا ، وأما أنتم فلهوانكم عليه حرمكم
أيها التابعون للرسل ، فكم من موسر شقي ومعسر تقي { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ
يَعْلَمُونَ } أي أن قلة الرزق وضنك العيش وكثرة المال وخصب العيش بالمشيئة من غير
اختصاص بالفاسق والصالح . فليس مدارَ البسطِ هو الشَّرفُ والكرامةُ ومدارَ القَدْرِ
هو الهوانُ ولا يدرون أنَّ الأوَّلَ كثيراً ما يكونُ بطريقِ الاستدراجِ والثَّاني
بطريقِ الابتلاءِ ورفعِ الدَّرجاتِ.
قال الطبري : « قال أهل الأستكبار على
الله من كل قرية أرسلنا فيها نذيرًا لأنبيائنا ورسلنا: نحن أكثر أموالا وأولادًا
وما نحن في الآخرة بمعذبين لأن الله لو لم يكن راضيًا ما نحن عليه من الملة والعمل
لم يخولنا الأموال والأولاد، ولم يبسط لنا في الرزق، وإنما أعطانا ما أعطانا من ذلك
لرضاه أعمالنا، وآثرنا بما آثرنا على غيرنا لفضلنا، وزلفة لنا عنده، يقول الله
لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم يا محمد(إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ
الرِّزْقَ) من المعاش والرياش في الدنيا(لِمَنْ يَشَاءُ) من خلقه(وَيَقْدِرُ) فيضيق
على من يشاء لا لمحبة فيمن يبسط له ذلك ولا خير فيه ولا زلفة له استحق بها منه، ولا
لبغض منه لمن قدر عليه ذلك ولا مقت، ولكنه يفعل ذلك محنة لعباده وابتلاء، وأكثر
الناس لا يعلمون أن الله يفعل ذلك اختبارًا لعباده ولكنهم يظنون أن ذلك منه محبة
لمن بسط له ومقت لمن قدر عليه. »