إذا كنت لست من أهل هذه البلاد، فلابد أن تعتقد أن ما يجرى حالياً هو انتخابات تنافسية حقيقية بين أحزاب تحاول بلوغ مقاصدها بالفوز بالمقاعد البرلمانية لتحقيق برامجها، لكن الحقيقة أن هناك حزباً واحداً يخوض الانتخابات على جميع المقاعد، وبعدد من المرشحين، يفوق حجم المقاعد المتاحة، عبر فتحه بعض الدوائر وترشيحه اثنين وثلاثة وأربعة أحياناً على المقعد الواحد.
فى المقابل، هناك أحزاب «شرعية» تخوض المعركة فى وسائل الإعلام حتى تظن أنها تناضل من أجل كسب الأغلبية، لكنها فى الواقع لو ربحت كل المقاعد التى تخوض عليها الانتخابات لما حققت الأغلبية، ولا أحدثت التغيير الذى تبشر به وتدعو له، وتستغل طاقاتها الدعائية المتنوعة فى الترويج له.
لكن كل ذلك لا يعنى عدم وجود معركة، فالمعركة الحقيقية قائمة بالفعل كما ترى فى الشارع، وتقرأ فى الصحف، وهى للأسف ليست معركة تنافسية قائمة بين فصيلين سياسيين، أو حزبين قائمين، يتمتعان بمقومات الأحزاب المعروفة، لكنها معركة قائمة بين أجهزة الأمن وجماعة الإخوان المسلمين.
للأسف الشديد هذا هو التنافس الحقيقى القائم فعلاً، فإذا تابعت الصحف فلن تجد إلا مناوشات كلامية وقانونية ومشادات فى الشارع بين الأمن والإخوان، حتى الحزب الوطنى الذى من المفترض أنه صاحب الحظوظ الكبرى لا يبدو أنه يخوض معركة مع الآخرين، بقدر ما يخوض المعركة مع نفسه، ومع المستبعدين والمنشقين من أنصاره، وبين مرشحيه وبعضهم البعض فى الدوائر المختلفة، أما المعركة مع المنافسين الأساسيين، فهى تبدو محسومة فى ظل ضعف التجربة الحزبية عموماً من جانب، وما يحيط بالإخوان من جدل قانونى وسياسى، يوقف نمو أنصارها، من جانب آخر، رغم ما يبقيه لديها من كتلة تصويتية تكاد تكون ثابتة ومنظمة وإيجابية، ناهيك عن صراع «الديكة» بينهم وبين أجهزة الأمن.
لا معركة إذن.. ولا تنافس.. والوضع كما هو منذ 2005، وأنت تدور فى معادلة «الوطنى والإخوان والأمن».. لا بدائل ولا أفق فى بدائل تأخذ الأمور بجديتها اللازمة، وتواجه مجتمعةً ساعيةً إلى تنافس حقيقى ومزاحمة كبيرة على كل المقاعد للفوز بأغلبية هى الطريق الوحيد لتحقيق التغيير الذى يرفع هؤلاء شعاراته وآماله.
وإذا كان الحزب الوطنى يخوض التنافس وهو يملك أذرعاً أمنية وقانونية وإدارية وإعلامية تناصره وتجعل مهمته سهلة جداً، إذا ما أضيفت لحجم اختياراته القائمة على مخاطبة العصبيات والقبليات والكتل التصويتية.. وإذا كان الإخوان مستمرين فى تحدى الشرعية والقانون الذى يحكم اللعبة السياسية، إلى جانب عدم مقدرتهم على تخفيف التوجس منهم حول قضايا الديمقراطية والحريات والمدنية وحقوق الأقباط.. فأى معركة إذن تلك التى تتابعها، بينما اختياراتك محصورة بين قائمتين كلتيهما تمتاز بالطبيعة الاحتكارية والاستبدادية والنزعة إلى الشمولية؟!.. هذا وضع محسوم إذن، فلماذا نفترض دائماً أن هناك ثمة معركة؟!