ولخطورة الشرك فقد ورد التحذير منه في العديد من الآيات القرآنية، وتنوع الخطاب القرآني في ذلك، بدءا من التحذير منه وبيان خطره، وانتهاءً ببيان حكم المشرك وعاقبته في الآخرة، وسنعرض لهذا كله من خلال تتبع الآيات الواردة في هذا الشأن .
قال تعالى في بيان عظم جريمة الشرك: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }[لقمان: 13]، فوصف الشرك بالظلم العظيم لأنه تعدٍّ على حق الله تعالى علمياً وعملياً، علمياً باعتقاد إله غير الله، وعمليا بعبادة غيره سبحانه .
وبيّن سبحانه قلة عقول أهل الشرك، وسذاجة أحلامهم في عدولهم عن عبادة الله إلى عبادة غيره ممن لا يخلق، ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، فقال سبحانه: { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون }(الأعراف: 191). وقال تعالى: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم }(يونس: 18). ومع وضوح عجز آلهة المشركين المصطنعة إلا أنهم يعبدونها بزعم أنها تشفع لهم عند الله، فأجابهم الله بقوله: { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } وما لا يعلمه الله فلا وجود له، فكيف تزعمون أن تلك الآلهة الباطلة تشفع لكم عند الله، وهو سبحانه ينكر عليكم عبادتها، ولا يعترف لكم بشفاعتها !!
وبيّن سبحانه اهتزاز إيمان المشركين بآلهتهم فهم يدعونها حال رخائهم ويسرهم، ويتخلون عن دعائها في ساعات الكرب والشدة، وفي هذا دلالة ظاهرة أن إيمانهم بتلك الأوثان لا يعدو أن يكون تقليداً لأسلافهم على غير هدى، قال تعالى:{ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون }(النحل: 54)، وقال تعالى: { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين }(يونس:22).
وقارن سبحانه في آيات كثيرة بين فعل الله لعباده، وما تفعله هذه الآلهة المزعومة المدعاة، وذلك لإظهار فضل الله ونعمته في مقابل عجز هذه الأصنام وسلبيتيها، ولا شك أن العقل يقضي بعبادة من يُنتفع به دون من لا يُنتفع به، قال تعالى: { قل هل من شركآئكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون }(يونس:35) فالله هو الهادي لسبل الحق والهدى، والأوثان خرساء صماء لا تسمع ولا تنطق، فمن أحق بالعبادة والاتباع ؟!! وقال تعالى: { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون * أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون * أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون * أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }(النمل: 60-64)، فالله هو الذي أنزل المطر، وأنبت النبات، وخلق الأرض وهيأ سبل العيش فيها، وهو الهادي في ظلمات البر والبحر، إلى غير ذلك من نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فأين أفعال أصناكم - أيها المشركون - وأين نعمها وأفضالها ؟ وإذا لم يكن لها وجود فكيف تعبدونها ؟ وتتركون عبادة المنعم المتفضل سبحانه !!