انتهى العام الدراسي الذي حفل بأحداث وأخبار وقرارات وربما معارك كانت تدار
في دائرة التعليم الذي يقوم على ثلاثة أسس مهمة «المعلم، الطالب، والمنهج
التعليمي» وعلى الرغم من المحاولات التي كانت تنظم في بعض الملتقيات
التعليمية والتي كان يحضرها كبار شخصيات التعليم من أجل البحث عن وسائل
جديدة لإثراء الحركة التعليمية للارتقاء بها إلى مستويات أفضل من المناداة
بتطوير المناهج والسباق على تطوير منهج الرياضيات أو الكيمياء، أو ربما بعض
المواد الدراسية الأخرى، إلا أن المعلم يبقى أيضا في حلقة مغلقة تثار حوله
كثير من الاسئلة الصعبة التي من أهمها.. هل يكفي تجديد المناهج الدراسية
لتكون العملية التعليمية مثمرة وجيدة، ذلك إذا سلمنا بأن المناهج التعليمية
جددت بشكل مفيد؟ أم أنها مازالت تحتاج إلى سياسة التغيير؟ وهل يكفي أن
يخضع المعلم لبعض الدورات التدريبية في إدارات التربية والتعليم ويدخل
اختبار القياس حتى يحكم على قدراته بأنه قادر على التعاطي مع هذه المهنة
الخطيرة والمهمة التي يقوم عليها تقدم الأمم؟ إذا ما السر خلف تمجيد
التعليم في السنوات الماضية القديمة وترديد عبارة أن تعليم الآباء أفضل
وأكثر جدوى من تعليم الأبناء، وأن منهج «حصد، وزرع، وزينب تخيط أفضل من
المناهج المطورة، وأن الطالب في القديم يخرج من المدرسة وهو متقن ومستوعب
لجميع ما يتلقاه من معلومات، في حين يفشل الطالب الحالي في أن يصل إلى ذلك
المستوى رغم الإمكانات المتاحة؟ وهل سياسة العصا أجدى من سياسة التودد
والتقرب لتعود للمعلم هيبته التي فقدت!! أسئلة وضعتها «الرياض» لتبحث عن
أسباب ضعف علاقة المعلم مع العملية التعليمية وأين يكمن الخلل؟.
البحث عن الخلل أولا
يبدأ الباحث الاجتماعي د. صالح العقيل حديثه بطرح سؤال يتضمن لماذا نسأل عن
تجديد وتطوير المعلم، لماذا لا نسأل هل النظام القديم أنفع وأكثر فائدة من
النظام الحديث في التعليم؟ وهل المناهج القديمة أكثر جدوى من المناهج
الحديثة؟ المعلم تطور من خلال مستوى الجامعات وتقنيات التعليم والابتعاث،
لكن يوجد هناك خلل، فكيف لنا أن نضع أيدينا على (الجرح)؟ وهل الخلل في ذهن
المعلم نفسه وبالتالي عدم قدرته على استيعاب التنظيمات الجديدة واستيعاب
مفاهيم الجيل الجديد والآليات المناسبة لإيصال المعلومة؟ أم الخلل في نظام
التعليم الذي أصبح جدا مرنا إلى درجة التسيب الأمر الذي حول الطالب إلى
طالب متسيب ولا يبالي بالتعليم؟ أم الخلل في المناهج التي أصبحت تعتمد على
الصورة أكثر من اعتمادها على الشرح، وبالتالي أصبح الطالب يصل إلى الثانوية
وهو لا يعرف الرسم الاملائي لبعض الكلمات! في القديم كان الطلاب يدرسون في
كتاب قد لا يرون أي صورة أمامهم فكان الاعتماد على الكتابة، فلا يصل
الطالب إلى الفصل الرابع ابتدائي إلا وفي مقدوره أن يقرأ ويكتب من دون
أخطاء، إلا أن ما يحصل الآن أن بعض طالب الثانوية لا يعرف قواعد الإملاء،
إذا الخلل مشترك بين ثلاث حلقات تدور بين المعلم، والنظام، والمناهج، وربما
ما يدلل على ذلك النظام الذي وضع ليسمح للطالب أن يجتاز حينما يرسب في
مادتين، أما ثلاث مواد فإنه لا يجتاز فأين الشعور بالمسئولية، وما الفائدة
من اجتيازه إذا كان مخفقا في بعض المواد؟ فينتقل بضعفه، وحينما يصل إلى
الجامعات لا يقبل، النظام هو السبب في الخلل الموجود، فلماذا لا يقوّى
المخفق في المواد بمواد تقوية أخرى؛ لرفع التقدير كما يحدث في نظام
الجامعات حتى لا ينتقل وهو مخفق فيفشل، فالمعلم يحتاج إلى كثير من التطوير
والتجديد إلا أن ما يحدث أن وزارة التربية والتعليم لا تشجع المعلم على
تطوير ذاته، نجد ذلك يتمثل في خطاباتها التي توضح أن المعلم يحق له التقديم
على الماجستير والدكتوراه، وحينما يتقدم المعلم لإكمال تعليمه توقف تلك
الطلبات، فالوزارة ترفض تفرغ المعلم لمواصلة دراساته العليا، فأين التطوير؟
مشيرا إلى حادثته التي قابلته مع أحد المسئولين السابقين في قمة الهرم
بالوزارة حينما تقدم لطلب تفرغه لإكمال الدكتوراه، سأله المسئول «هل تعتقد
أننا في التعليم نحتاج إلى حملة دكتوراة؟! فكيف لشخص أن يملك قرارا أن ينظر
إلى التعليم على هذا النحو، لذلك لابد أن يتولى القرار مجموعة وليس شخص
واحد حتى يكون القرار صائب ومدروس وعلى وزارة التربية والتعليم أن تهتم
بالدراسات فتطوير المناهج من الذي سيتعامل معها المعلم والطالب إذا لابد أن
لا تطور إلا بعض استبيان رأي الطرفين للخروج بالنتائج الجيدة، فيظهر
المنهج وهو من اختيار الطالب حتى لا ينام الطالب في الحصة بسبب عدم رغبته
للمنهج.
المعلم غير مؤهل
ويوضح المختص في الإدارة بكلية التربية جامعة الملك فيصل د. سعد الناجم أن
المعلمين خاصة في الفترة الأخيرة غير مؤهلين بشكل جيد، وربما ذلك عائد إلى
سوء المناهج الجامعية لتخريج المعلمين وسوء القائمين عليها في عمادات
التربية؛ لأنهم بعيدون كثيرا عن التربوي النهاري، كما أن عملية القبول
أصبحت غير مجدية، وكذلك سوء مستوى المدارس الموجودة وضياع إدارات التربية
والتعليم الذي تسبب في كثير من تلك الإشكاليات، مشيرا إلى أن ما يثار حول
أن تعليم الآباء أفضل وأكثر جدوى من تعليم الأبناء حقيقة موجودة ومثبتة،
وعائد ذلك إلى أن الآباء لديهم القوة العلمية أكثر من القوة العلمية
الحالية، كما أن الجانب التربوي لديهم في السابق أقوى وأفضل من الجانب
التربوي الموجود حاليا، فالجانب التربوي الحالي والموجود للأسف قائم على
الجانب النظري أما في القديم فهو قائم على الجانب العملي يتعلم الطلاب في
المسجد وفي الشارع، وفي المدرسة، وذلك جزء من التربية علمت الطلاب على مبدأ
احترام المتعلم للمعلم، وهذه أصبحت مفقودة في الوقت الحالي.
إعطاء الوقت للحكم
يرى رئيس قسم المناهج وطرائق التدريس في كلية التربية جامعة الملك فيصل د.
عبدالمنعم الجو أن وزارة التربية والتعليم لها خطوات جادة بالأخذ بيد
المعلم على جميع المستويات، سواء كانت مادية أو معنوية أو تحفيزية، فمسارها
جديد ومتطور فيما يخص المعلم، فالعملية التطويرية لابد أن تأخذ وقتا
طويلا، ولابد ألا نحكم على نجاحها وفشلها بشكل سريع، بل يجب إعطاء الوقت
الكافي للحكم على التجربة، وذلك واضح من الابتعاث الخارجي والداخلي، سواء
بدفع المعلم لإكمال الدراسات العليا أو استكمال دراساتهم الجامعية، أو ربما
في مرحلة الدبلومات فالوزارة تهتم بابتعاث بعض المعلمين، وتطوير
إمكاناتهم، مشيرا إلى أن بعض الخلل الموجود الذي بدأ يتفشى في العملية
التعليمية التي يعد المعلم والطالب أهم أطرافها إنما هي موجودة منذ القدم،
وهي نتيجة حالات فردية لابد أن تعمم فمبدأ العودة إلى القوة الذي كان
مأخوذا به في طريقة التعليم القديمة غير مقبول، بل لابد من سياسة التحاور
والتقارب.
التغيير مطلب
أما مديرة المتوسطة الثانية عشرة بالدمام آمنة زينل فترى أن التغيير مطلب
أساسي في العملية التعليمية، التي يعد المعلم جزءا منها وهذا توجه موجود من
خلال ما يعمل به في هذه المرحلة، إلا أن القصور التربوي الموجود بعيدا عن
المناهج والقائم بين المعلم والطالب إنما عائد إلى القصور الموجود في
اللائحة التنظيمية في السلوك، فتفتقد تلك اللائحة إلى مجارات المخالفات
السلوكية الحديثة، فلا تتواكب مع المتغيرات والأمور التي يمر بها الطالب في
هذه المرحلة، فالتحديات موجودة على جميع المستويات، مشيرة إلى أنه لا صحة
لمقولة أن التعليم في السابق أفضل من الوقت الحالي، لأن المعلمات والمعلمين
لديهم تنمية ذاتية للكفايات المهنية وتنعكس هذه المهنية في كيفية تعاطيهم
مع المنهج والطالب وربما يوجد العائق في المعلمات التقليديات اللواتي يرفضن
التطوير والتجديد، أما بقية المعلمات فيعتبرن الطالبة مشاركة في عملية
التعليم، ولذلك لابد من تقوية الشعور بالانتماء بين المعلم والمدرسة التي
يعمل بها حتى تصبح المعلمة صالحة لحمل هذه الرسالة وذلك لن يحدث إلا إذا
وجد التحفيز، فالمعلم لديه بطاقات التخفيض إلا أنها غير موجودة لدى المعلمة
كما أنها تعمل ضمن قطاع حكومي لابد أن يكون لها تأمين صحي كما في الوظائف
الأخرى فقلة الحوافز تنعكس على عطاء المعلم وبالتالي ينعكس على العطاء
لديها.
وتقول المعلمة مريم خليفة: للأسف أصبح المعلم والمعلمة يقابل ضغوطات
وتغيرات متسارعة وكبيرة ليست فقط على مستوى الكم الهائل من المعلومات
الحديثة بل أن التغيرات لحقت بأخلاقيات وسلوك الطالب مما صعب من العملية
التعليمية وجعلها تصب في حيز ضيق ومحدود، فهناك تغيير كبير يشعر به المعلم
والمعلمة على حد سواء ليس فقط في المناهج التي تخشاها المعلمة قبل الطالبة،
بل حتى في الطريقة التي أصبحت تسير عليها العملية التعليمية فهناك حلقة
مفقودة في التعاطي مع المناهج الجديدة التي تزج بين يدي المعلم وربما شعر
كثير من المعلمين بأنه غير قادر على التكيف معها، ووجد بها صعوبة فكيف
بالطالب، كذلك الحلقة المفقودة تمتد بين إدارة التربية والتعليم، وبين
المعلم الذي لا يستطيع أن يوصل ملاحظاته ورغباته بوضوح من دون تردد إلى
الجهات المعنية، كذلك الطالب والطالبة التي أصبحت تستخف بالمعلمة فتتطاول
عليها وتعدها شيئاً مسخراً لخدمة الطالبة وتلك الثقافة للأسف تعززها
الأسرة، فأم الطالبة تأتي لتوبخ المعلمة على قرار اتخذته مع الطالبة
لمصلحتها كتوبيخها أو توجيهها بطريقة غير مؤذية، فتأتي الأم المدرسة لتقول
للمعلمة أمام الطالبة «أنت موجودة هنا لخدمة البنات إذا لماذا تعطيك الدولة
راتبا» وكأن هناك تآمر على كسر هالة المعلم واحترامه، موضحة أن هناك
ضغوطات كبيرة على المعلمة والمعلم وخلل دفع كثيرات إلى التفكير في التحويل
من دور المعلمة إلى المساعدة أو المديرة، وربما الروتين الموجود في التعليم
مع وجود بعض المسئوليات غير المجدية صعبت من اهتمام المعلم بالتجديد
والتطوير وخلق روحاً جديدة في طريقة التعاطي مع العملية التعليمية فالمعلم
أصبح يشعر بأنه تابع ومسير وليس مسئولاً ومخيراًً.