والملك عبدالله ورئيس الوزراء نتنياهو ورئيس السلطة عباس، أثناء حفل إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فبينما تظهر الصورة
الأصلية الرئيس أوباما وهو يتقدم الموكب، وهو أمر طبيعى فى مناسبة كهذه، إذا بالصورة المزورة تُظهر الرئيس مبارك فى المقدمة بدلا من الرئيس أوباما.
ولم تنكر المؤسسة المصرية العريقة، عقب اكتشاف الفضيحة ونشرها، وقوع تلاعب، لكنها لم تعتبره خطأ يستحق الاعتذار عنه أو تقدم تفسيرا منطقيا له،
وإنما أخذتها العزة بالإثم وراحت تبرره وتعتبره عملا مهنيا مشروعا، حيث وصفت الصورة «المضروبة» بأنها صورة «تعبيرية» وردت فى سياق تعليق يعبر عن
وجهة نظرها فى الحدث.
«الصورة التعبيرية» مصطلح لجأ رئيس تحرير «الأهرام» إلى صكه، ويخول لصاحبه الحصول على جائزة، وأن يسجَّل باسمه، باعتباره الأكثر تلفيقا وخداعا
وتضليلا فى مهنة الصحافة على امتداد تاريخها. ففى عالم الفنون، لا يوجد شىء اسمه «صور تعبيرية» وإنما توجد «صور فوتوغرافية» تسجل «أحداثا»
وقعت فى زمن معين وفى أمكنة معينة وهى، بهذا المعنى، تحمل «خبرا» ولا تعبر عن «رأى».
أما مصطلح «الصورة التعبيرية» فلا شك أن رئيس التحرير قصد به إقناع الجمهور بأن ما نشر لم يكن صورة فوتوغرافية لحدث وقع، وإنما «لوحة فنية» تعبر
عن «رؤية» للحدث الذى وقع. وكما أن لكل صحيفة الحق فى أن تعبر عن وجهة نظرها فى الأحداث كتابة، فمن حقها أيضا أن تعبر عنها «فنيا» أو
«تصويريا» بالشكل الذى تراه والذى يتناسب مع مضمون التعليق المكتوب.
وهذا كلام مرسل شديد التضليل ومردود عليه، فأى صحفى مبتدئ يعرف الفرق بين الخبر والرأى، ويدرك من ثم أن أكبر جريمة يمكن أن ترتكبها صحيفة
فى حق قارئها هى أن تخلط بين الرأى والخبر، وهى جريمة تماثل تماما جريمة الخلط بين الخبر و«الإعلان» مدفوع الأجر. ولو كانت تقصد حقاً نشر صورة
«تعبيرية» تتسق مع مضمون النص المكتوب لكلفت رساما بإعدادها بدلا من التلاعب فى صورة «فوتوغرافية» مسجلة لحدث.
من الواضح أن «الأهرام» أرادت بهذا السلوك أن توحى للقارئ بأهمية الدور الذى يلعبه الرئيس مبارك فى «عملية السلام»، ولم تجد فى جعبتها لتوصيل
هذه الرسالة - وهى رسالة مضللة وغير صحيحة أصلا - غير هذه الطريقة الصبيانية، التى حولتها إلى أضحوكة فى نظر العالم كله.. وهى أول من يدرك أن
الرئيس مبارك لم يذهب إلى الولايات المتحدة للبحث عن تسوية، هى غير مطروحة أصلا، لعدم توافر المقومات اللازمة للتوصل إليها فى هذه المرحلة،
وإنما لأغراض أخرى يعرفها الشعب المصرى كله، بما فى ذلك رئيس تحرير الأهرام طبعا.
إن وضع الرئيس مبارك فى مقدمة صورة بدلا من مؤخرتها، هو أمر سخيف حقا، لأنه لن يقدم أو يؤخر، ولا يحتاجه الرئيس أصلا، غير أن دلالاته تبدو، مع
ذلك، بالغة الخطورة.
فحين تصر واحدة من أكبر المؤسسات الصحفية فى مصر على التستر على خطأ بشرى إلى درجة الإقدام على خطيئة من هذا النوع فليس لذلك سوى
معنى واحد وهو أن مصر الرسمية تعيش حالة زيف كامل يسهل معها تصوير الحق على أنه باطل وتقديم الباطل على أنه الحق بعينه، وأن النفاق تحول
إلى صناعة رسمية تشجع عليها الدولة وتغذيها.
الغريب أن النظام يردد أنه سيجرى انتخابات نزيهة، رغم إدراكه الكامل بأنه لا أحد يصدقه فى الداخل أو فى الخارج، إلا أنه مُصر على الاستمرار فى
ترديده. فهل نحن إزاء حالة مرضية مستعصية، ومن هو مرتكب الخطأ الذى يستحق أن يُتستر عليه بهذه الطريقة الحمقاء؟!