(1) النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للأبناء وهم في أصلاب آبائهم:
لما رد المشركين من أهل الطائف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم للإسلام وآذوه، وبالحجارة رموه؛ عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، عندها قال النبي المشفق الرحيم صلى الله عليه وسلم: “أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً” (رواه البخاري).
وقد حقق الله تعالى رجاء النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام أبنائهم .
كذلك يرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين لما فيه صلاح الابن مستقبلاً فيقول لهم :“لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان” [ متفق عليه ]. وفي هذا توجيه إلى أن تكون البداية ربانية لا شيطانية، فإذا ذكر اسم الله تعالى في بداية جماع أسس ما بين الزوجين على التقوى، فلا يضره الشيطان بإذن الله.
ولقد أمرنا المولى جل وعلا باختيار الصالحين والصالحات عند الزواج ليكونوا قادرين على تنشئة وتربية جيل صالح، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فقال: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) [ النور : 32 ]. وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: “تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم” [أخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ، كتاب النكاح
كان أبو طلحة خارج بيته، وابنه بالبيت مريض, فمات الابن، فلم تخبره زوجته أم سليم بعد عودته، ولم تبد أي مظهر من مظاهر الحزن له، بل كانت متزينة ومجهزة له عشاءه، فتعشى ذكيه، فقام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من زوجته ومنه، فدعا لهما صلى الله عليه وسلم بالبركة في جماعهما وقال: “بارك الله ليلتكما”. فولدت بعد غلاماً سماه النبي صلى الله عليه وسلم (عبد الله)، ومن بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له؛ كبر وتزوج ورزقه الله تعالى من الأولين تسعة، كلهم من حفظة القرآن، والقصة بطولها في البخاري.
ومن مظاهر عناية الإسلام بالطفل وهو نطفة في رحم أمه؛ ما أمر به الإسلام من النفقة للمرأة المطلقة ثلاثاً إذا كانت حاملاً، وهذه النفقة لأجل جنينها وليس لأجلها حيث قد سقطت نفقتها بطلاقها الثالثة.
(فالمرأة التي يطلقها زوجها ثلاثاً تبين منه، وتصبح أجنبية عنه لا تجب لها عليه نفقة ولا سكنى على القول الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله، إلا إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة بالإجماع. [ المغني لابن قدامة 8 / 232 . ]. قال تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [ الطلاق : 6] .
وإنما وجبت على الزوج النفقة للحامل التي بانت منه من أجل ولده الذي لا سبيل للإنفاق عليه إلا عن طريق الإنفاق على أمه التي يتغذى منها، كما قال ابن قدامة رحمه الله: “ولأن الحمل ولده فيلزمه الإنفاق عليه، ولا يمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها، فوجب كما وجبت أجرة الرضاع..”، هذا في العناية به من حيث النفقة.
ومن العناية به: وقايته مما قد يؤثر على صحته، وهو في رحم أمه ولذا أبيح للحامل إذا خافت على جنينها أن تفطر في رمضان، كالمريض والمسافر. وقد أعفاها بعض العلماء من الكفارة دون المرضع، قالوا: “لأن الحمل متصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها”. أما المرضع فـ “يمكنها أن تسترضع لولدها” وأدخلوها في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [ البقرة : 184].
ومن العناية بالطفل وهو في رحم أمه تأجيل العقوبة التي تستحقها إذا كان ذلك قد يؤثر على الولد، أو تحقق أن العقوبة ستقضي عليه. فقد روى عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبت حداً، فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: “أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها”ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها.(رواه مسلم)
وفي حديث آخر في قصة الغامدية التي اعترفت بالزنا وطلبت منه أن يقيم عليها الحد قال لها:(فاذهبي حتى تلدي) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: “اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه”. فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، قالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها.. ” )( رواه مسلم
ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه الكلم الطيب أن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتيا فتقرآ عندها آية الكرسي، و: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [ الأعراف : 54]، و: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون) [ يونس : 3 ] ويعوذاها بالمعوذتين.
وهذا ما يسمى بالسقط، وقد ورد بشأنه أحاديث تسر السامعين، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “.. والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته”، أي صبرت على فقده ( رواه احمد وابن ماجه )
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن السقط ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار، فيقال: أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة، فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة(رواه ابن ابي شيبه وابي يعلى). ومعنى يراغم ربه: أي يغاضبه، يعني يأتي السقط وهو غضبان من أجل أبيه وأمه. فانظر رحمك الله إلى اهتمام الإسلام حتى بالسقط
عن أبي رافع أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة (2)، قال ابن القيم رحمه الله: وسر التأذين والإقامة: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمة النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي يدخل بها الإسلام. كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه، وتأثره به وإن لم يشعر. ومعروف أن الشيطان يفر ويهرب من سماع كلمات الأذان، فيسمع شيطانه ما يغيظه في أول لحظات حياته. وهذا يبين اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بعقيدة التوحيد ومطاردة الشيطان في بداية حياة المولود الجديد. كذلك فإن الشيطان يلكز المولود حين يولد كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها”، ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم” (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) [ آل عمران :36]. وعن ابن عباس: ليس من مولود إلا يستهل، واستهلاله: يعصر الشيطان بطنه فيصيح إلا عيسى ابن مريم (1). وعليه فيكون الأذان لكزة مضادة للشيطان الذي يسعى جاهداً لإفساد الذرية وتدمير النشئ.
والسلف يهنئون بعضهم بعضاً بوصول المولود
إن الأولاد نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، يهبها لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء، ولما كانت هذه النعمة تسر الوالدين, بشرت الملائكة بهم رسل الله من البشر، قال تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) [ هود : 69] إلى أن قال: ( وامرأته قائمة.. فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) [ هود : 71 ]، وغير ذلك كثير من آيات القرآن التي تبشر الآباء من السنن الإلهية، ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واستثقلها لأنه تعالى هو الذي وهبها كما وهب الذكر, والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معاً فقال: (ألا ساء ما يحكمون) [ النحل : 59] .
وعن أبي بكر بن المنذر أنه قال: روينا عن الحسن البصري: أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام، فقال: يهنيك الفارس، فقال الحسن: ما يدريك أفارس هو أم حمار؟ قال الرجل: فكيف تقول؟ قال: قل: (بورك في الموهوب، وشكرت الواهب، ورزقت بره، وبلغ أشده) (2) .
فالتهنئة والهدايا تدخل السرور على أهل المولود وتشيع جواً من البهجة، والمحبة والألفة، والترابط بين المسلمين
(6) والنبي صلى الله عليه وسلم يحنك المولود بالتمر ويدعو له ويبرك عليه:
وإنما المقصود ما شرع الله تعالى بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم من تحنيك الطفل عند ولادته بشيء من التمر بعد مضغه وترطيبه، ولعل في ذلك مع كونه سنة ما يطمئن الطفل ويجعله آمناً على استمرار غذائه والعناية به وبخاصة تحنيكه بالتمر الذي ترتفع فيه نسبة الحلاوة التي يتلذذ بها الطفل، وفيه كذلك تمرين على استعمال وسيلة غذائية الجديدة، وهي المص بالفم ليألفها.
عن عائشة رضي الله عنها أن (النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم) (رواه مسلم)
وفي الصحيحين أتت أسماء رضي الله عنها بمولود لها، تقول: (حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرَّك عليه..)، أي دعا له بالبركة.وفي هذا بيان لمشروعية الذهاب بالمولود إلى أهل الصلاح لينال من دعائهم.
وفي الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: لما ولدت أم سليم غلاماً، أرسلت به معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحملت تمراً، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عباءة . . قالت: “هل معك تمر؟” قلت: نعم، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه صلى الله عليه وسلم فلاكهن ثم جمع لعابه ثم فغر فاه فأوجره إياه فجعل الطفل يتلمظ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حب الأنصار التمر”. فحنكه وسماه عبد الله، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه، (والتحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي، ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو ولد فيقول: الحمد لله رب العالمين؛ إلا كان ما أعطى خيراً مما أخذ ” وفي لفظ آخر عن أنس أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله رب العالمين إلا كان الذي أعطى الله خير من الذي أخذ”. (أخرجه ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة وقال إسناده حسن)
ولا شك أن الدعاء مجلبة لكل خير، وفيه شكر الرحمن، الذي يزيد من شكره، ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) [ إبراهيم 7] .
فعن جابر بن عبد الله قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً، قال: واستهلاله، أن يبكي ويصيح، أو يعطس” ( ابن ماجه ) وعند الهيثمي باب متى يرث المولود، عن المسور بن مخرمة وجابر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً واستهلاله أن يصيح أو يبكي أو يعطس” ( رواه الطبراني ).
وعن ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته ثم مات فولد له ولد بعدما مات فلقي عمرو أبا بكر فقال: ما نمت الليلة من أجل ابن سعد هذا المولود ولم يترك له شيئاً، فقال له أبو بكر: وأنا والله ما نمت الليلة أو كما قال من أجله، فانطلق بنا إلى قيس بن سعد فكلمه، فأتياه فكلماه فقال قيس: أما شيء أمضاه قيس فلا أرده ولكن أشهدكما أن نصيبي له.( رواه الطبراني من طرق رجالها كلها رجال الصحيح إلا أنها كلها مرسلة لم يسمع أحد منهم من أبي بكر )
وفي رواية عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يرث المولود حتى يستهل صارخاً وإن وقع حياً” ( رواه الدارمي )
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين، حر أو عبد، أو رجل أو امرأة صغيرة أو كبيرة، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير( رواه مسلم ) .
ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالطفل وحرصه على أن يشب راضعاً من ثدي أمه؛ أنه لما جاءته المرأة الغامدية التي زنت، وأخبرته أنها حبلى من الزنا، قال لها: “ارجعي حتى تلدي” ,فلما ولدت أتت به تحمله، قالت: يا نبي الله هذا قد ولدته، فقال لها صلى الله عليه وسلم: “فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه”، فلما فطمته جاءت بالصبي وفي يده كسرة خبز، قالت: يا نبي الله، هذا قد فطمته، وقد أكل الطعام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها حفرة إلى صدرها وأمر الناس فرجموها.
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تيقن أن المرأة حامل من الزنا؛ لم يشر أية إشارة إلى محاولة إسقاط هذا الجنين ناقصاً أو مكتملا. كما تفعل من تزني وفوق زناها تقتل نفساً بغير حق .
2- بل على العكس فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تذهب وتبقى حتى تلد.
3- فلما ولدت أمرها صلى الله عليه وسلم أن تذهب لترضعه حتى تفطمه، فأرضعته ثم فطمته وقد أكل الخبز.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع بالصبي إلى أحد المسلمين ليقوم على رعايته وتربيته.
تلك رحمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بولد الزنا وحرصه عليه من الضياع، فما ذنبه أن يتحمل آثار جريمة غيره؟ !
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى( رواه النسائي ).
وعن أم كرز رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: “عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة، ولا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً” ( رواه الترمذي ) ومن فوائد العقيقة: ذكر العلماء منهم ابن القيم رحمه الله في كتابه تحفه المولود، أنها قربان لله تعالى، وفيها الكرم والتغلب على الشح، وفيها إطعام الطعام وهو من القربات، وهي تفك ارتهان المولود عن عدم الشفاعة لوالديه أو شفاعة والديه له، ومنها أنه ترسيخ للسنن الشرعية ومحاربة خرافات الجاهلية، وفيها إشاعة نسب المولود وغيره .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (فالذبح عن الولد فيه معنى القربان والشكران والغذاء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكراً لله وإظهاراً لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح، فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسيلة إلى حصول هذه النعمة، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة أولى وأحرى، وشرع بوصف الذبح المتضمن لما ذكرناه من الحكم، فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذا الشريعة في المولود، وعلى نحو هذا جرت سنة الولائم في المناكح وغيرها فإنها إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام، وخروج نسمة مسلمة يكاثر بها رسول الله الأمم يوم القيامة، تعبد الله ويراغم عدوه) (2).
هذا أيضاً من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم الشديد بالأطفال، بحيث لا يقع حب الآباء لأبنائهم أن يفعلوا معهم أي شيء ولو كان من سنن الجاهلية .
فعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي -بريدة- يقول: “كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام؛ ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام؛ كنا نذبح شاة، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفران”(3) .
إن الله جميل يحب الجمال، ومن الجمال تحسين اسم الصبي، والبعد عن الأسماء القبيحة، والإسلام دين يسر (يريد الله بكم اليسر)، لذلك أراد اليسر حتى في الأسماء، وكره العسر والعنف حتى في الأسماء أيضاً، يظهر ذلك من نهيه عن اسم (حرب )، قال صلى الله عليه وسلم “أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة” ( رواه ابو داود ). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن” ( رواه مسلم ).
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي طلحة ( عبد الله ) . وكذلك ابن عباس سماه صلى الله عليه وسلم يوم ولادته ( عبدالله ) ، وكذلك سمى ابنه ( إبراهيم ) على اسم أبي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وسمى ابن أبي أسيد (المنذر)، وغير ذلك .
ومن المهم جداً أن ننبه ها هنا إلى أن بعض الناس يسمون بعض أبنائهم باسم قبيح ليمنع عنه الحسد، أو ليعيش ولا يموت وهو صغير،وهذا الصنيع فيه جهل مركب؛ ففوق قبح الاسم، فهي عقيدة فاسدة لا تغني عن الولد شيئاً، إضافة إلى أن العادة جرت أن يأخذ المسمى نصيباً من اسمه، فإذا كان اسمه كئيباً كانت الكآبة فيه، وإذا كان اسمه ذميماً رأيت من ذلك فيه .
عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لاتسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أثمت هو ؟ (يعني أهنا هو “) فلا يكون، فيقال: لا” ( رواه مسلم ) وفي رواية عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لأنهين أن يسمي رافع وبركة ويسار” وفي حديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم“إن عشت زجرت أن يسمى بركة ويسار ونافع”. قال جابر: لا أدري ذكر رافعاً أم لا، إنه يقال: هاهنا بركة؟ فيقال: لا، ويقال: ها هنا يسار؟ فيقال: لا، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزجر عن ذلك، فأراد عمر رضي الله عنه أن يزجر عنه ثم تركه .
قال الخطابي رحمه الله: قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك، وكراهة العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها، وذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما فيها من معاني؛ إما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها، فحذرهم أن يفعلوا، لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذه الأسماء إلى الضد، وذلك إذا سألوا فقالوا: أثم يسار ؟ أثم رباح ؟، فإذا قيل: لا، تطيروا بذلك وتشاءموا به، وأضمروا الإياس من اليسر والنجاح، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه، ويورثهم الإياس من خيره(1) .
وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماء كانت قبيحة، وأسماء ليست قبيحة لكن لا يجوز التسمي بها، فمثلاً غير اسم ( عاصية ) إلى جميلة (2)، وغير اسم (أصرم) إلى زرعة (3) ، وغير اسم ( زحم ) إلى بشير(4) ، وغير اسم ( حزن) إلى سهل (5)، وكذلك غير اسم (برة) إلى زينب، وقال: “لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم”(6) . وغير كنية (أبي الحكم) إلى أبي شريح، وقال له: “إن الله هو الحكم” ، وكان شريح أكبر أولاد ذلك الرجل (7).
شرع الإسلام أن يحلق رأس الطفل يوم سابعه إيذاناً بالعناية به وإزالة ما يؤذيه، بل وشرع التصدق عنه بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضة. وكأن في ذلك إشارة إلى فدائه بالمال وعدم التفريط فيه، وأن شعر رأسه الذي يؤذيه بقاؤه فيحلقونه ليس رخيصاً عند أسرته، بل يوزن بالذهب الذي يحرص عليه الناس، كما شرع ختانه، وهو من خصال الفطرة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم رحمه الله، بعد أن ذكر نصوص خصال الفطرة:
( وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة، التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم، وله بالغرلة اتصال واختصاص) .
وقد مر بنا في حديث بريدة قال: فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران .
وعن علي رضي الله عنه قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة، وقال: يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه فكان وزنه درهماً أو بعض درهم. قال ابن القيم رحمه الله: وهذا وإن لم يكن إسناده متصلاً فحديث أنس وابن عباس يكفيان. والحديث هو ” أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبش وعن الحسين بكبش. وكان مولد الحسن عام أحد والحسين في العام القابل منه”، ورواه النسائي بلفظ: “عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين “، ثم قال: أحاديث الشاتين عن الذكر والشاة عن الأنثى أولى أن يؤخذ بها لوجوه:
أحدها: كثرتها .
الثاني: أنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث الشاتين من قوله، وقوله عام وفعله عام وفعله يحتمل الاختصاص .. إلخ .
وهنا تنبيه:
وهو أن بعض الناس يعجبهم جمة الطفل وكثافة الشعر عليه، فيترددون في الحلق له لأن رأسه ستصير جلحاء قرعاء، والبعض يزيدهم تردداً بقوله: رأس الولد لينة لا تتحمل الحلاقة! ومما لا شك فيه أن هذا إما جهل بالشرع، وإما ضعف في الالتزام بالشرع. والأمران خطيران .
والقزع: هو أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيهاً بقزع السحاب(1) .
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، قال: قلت لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض ( رواه البخاري ) .
والمقصود أن يكون الحلق من جميع الرأس، لأن حلق البعض وترك البعض الآخر يتنافى مع الشخصية الإسلامية التي يتميز بها المسلم عن بقية الملل والمعتقدات، وعن سائر أهل الفسوق والميوعة والانحلال
وقد يكون في هذا القزع تشبهاً بالكفار، وفي الصحيحين. أن معاوية رضي الله عنه رأى قصة من شعر كانت في يد أحد الحراس فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا ويقول: “إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم” ثم قال معاوية: ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود، فوجب تركه لأنه فعل اليهود.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليدلع (3). لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه، فيبهش إليه. أي يعجبه ويسرع إليه.
وعنه أيضاً قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع متكئاً على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى في المسجد، وقال: “أين لكاع ؟ ادعوا لي لكاع”، فجاء الحسن رضي الله عنه فاشتد حتى وثب في حبوته، فأدخل صلى الله عليه وسلم فمه في فمه ثم قال: ” اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ـ ثلاثاً ـ”. قال أبو هريرة: ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني ولكاع ولكع هو الصغير قليل الجسم، وتطلق على قليل العلم الغبي الأحمق
عن أبي شريح أنه كان يسمى أبا الحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله هو الحكم، وإليه الحكم”. فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال صلى الله عليه وسلم: “ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟” فقلت: شريح ومسلم وعبدالله، قال: “من أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: “أنت أبو شريح”. وشريح من الشرح، وهو الانبساط وانشراح الصدر. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم “(ألم نشرح لك صدرك ( [ الشرح : 1]
عن أسامة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الختان سنة للرجال مكرمة للنساء” . ويسميه البعض: الطهار. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط”.
ولكن متى يكون الختان ؟
قال ابن عباس: كانوا لايختنون الغلام حتى يدرك. قال الميموني: سمعت أحمد يقول: كان الحسن يكره أن يختن الصبي يوم سابعه، وقال حنبل: إن أبا عبد الله قال: وإن ختن يوم السابع فلا بأس، وإنما كره الحسن ذلك لئلا يتشبه باليهود، وليس في هذا شيء. قال مكحول: ختن إبراهيم ابنه إسحاق لسبعة أيام، وختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة، ذكره الخلال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فصار ختان إسحاق سنة في ولده، وختان إسماعيل سنة في ولده، وقد تقدم الخلاف في ختان النبي صلى الله عليه وسلم متى كان ذلك.
قلت: قد ذكر ابن القيم هذا الخلاف وخلاصته أن:
قيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً، وليس في ذلك حديث ثابت .
القول الثاني: أنه ختن يوم شق الملائكة قلبه عند مرضعته حليمة .
القول الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمداً. وكل ذلك لم يثبت بالدليل، ثم ختم ابن القيم بقول كمال الدين بن العديم أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب، وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنياً عن نقل معين فيها ، والله أعلم .
هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزيين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة، التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات، فالختان يعدلها، ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماعة.. ولا يخفى على ذي الحسن السليم قبح الغرلة، وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين.
ومن الأخلاق الكريمة في رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتي بالصبي الصغير فيجلسه في حجره صلى الله عليه وسلم حتى أن الصبي ليبول في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرفعه إلى أهله حتى لا يظنوا أنه تضجر من ذلك.
عن أم قيس بنت محصن قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرشه.
وعن أم كرز الخزاعية: قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بغلام فبال عليه، فأمر به فنضح، وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: ” اللهم ارحمهما فإني أرحمهما ” وعن أم قيس بنت محصن أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ ! عليكم بالعود الهندي فإن فيه سبعة أسفيه منها ذات الجنب”. قال عبيد الله: وأخبرتني أن ابنها ذلك بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله غسلاً.
من اهتمام الإسلام بالطفل أنه يوجب إرضاعه وكفالته حتى يستغني بنفسه، كما يوجب السعي عن رزقه وكسوته
قال الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) [ البقرة : 233 ] .
لقد كان غذاء الطفل في رحم أمه يأتيه بلا اختيار منها ولا اختيار منه ، عن طريق سرته التي ربط الله له بها حبلاً يوصل إليه به ذلك الغذاء، ولذا كان على أمه حق له في فترة الحمل؛ فهو أن تناول الغذاء المناسب ولا تهمل نفسها إهمالاً يؤدي إلى الإضرار به، كما أن على أبيه أن ينفق عليها نفقة تكفيها .
ولكنه عندما يتيسر سبيله فيخرج من رحلة الرحم ليبدأ رحلة الأرض ينقطع عنه ذلك الغذاء، ويجب على أبويه أن يقوما بإرضاعه: الأم ترضعه من لبنها الذي حوله الله إلى ثدييها ليسهل على الطفل تناوله، والأب ينفق عليها ويكفيها بما تحتاج إليه، وإن فقد أبويه أو أحدهما وجب ذلك على من يقوم مقامهما، إما من الأقارب، وإما من ولاة أمور المسلمين.
قال ابن حزم رحمه الله: (والواجب على كل والدة، حرة كانت أو أمة، في عصمة زوج أو في ملك سيد، أما كانت خلواً منهما، لحق ولدها بالذي تولد من مائة أو لم يلحق، أن ترضع ولدها، أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة، وتجبر على ذلك، إلا أن تكون مطلقة. فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها، إلا أن تشاء هي ، فلها ذلك، أحب أبوه أم كره، أحب الذي تزوجها بعده أم كره، فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع, أمر الوالد أن يسترضع لولده أمراً ولابد، إلا أن لا يقبل الطفل غير ثديها فتجبر حينئذ، أحبت أم كرهت، أحب زوجها إن كان لها أم كره، فإن مات أبو الرضيع أو أفلس، أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على إرضاعه، إلا أن لا يكون لها لبن، أو كان لها لبن يضر به، فإنه يسترضع له غيرها، ويتبع الأب بذلك إن كان حياً وله مال ..) .
وتجب كفالة الطفل حتى يبلغ أشده ويقدر على القيام بمصالحه، قال ابن قدامة رحمه الله “( كفالة الطفل وحضانته واجبه، لأنه يهلك بتركه ، فيجب حفظه عن الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك).
عمر رضي الله عنه يهتم بأطفال المسلمين منذ ولادتهم:
كان عمر رضي الله عنه في خلافته لا يفرض لمولود علاوة وزيادة من بيت المال حتى يفطم، ثم تراجع عن ذلك القرار، وفرض لكل مولود من حين ولادته، لسبب بسيط؛ رآه عمر سبباً خطيراً، فقد سمع ذات ليلة بكاء صبي، فقال لأمه: أرضعيه، فقالت ـ وهي لا تعرفه ـ : إن أمير المؤمنين لا يفرض لمولود حتى يفطم، وإني فطمته ، فقال عمر: إن كدت لأن أقتله؛ أرضعيه، فإن أمير المؤمنين سوف يفرض له، ثم فرض رضي الله عنه بعد ذلك للمولود حين يولد. رحم الله عمراً . كان من الله خوافاً، وعند حدوده وقافاً، فخرج منها سالماً معافى.
عن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابناً لي قد قبض فأتنا، فأرسل يقرى السلام ويقول: “إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب” . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنه، ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يارسول الله ما هذا؟ فقال: “هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” .
وعن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ إبراهيم ابنه فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال : “يا ابن عوف ” ، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم ” إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما قالت: لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم؛ بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر: أنت أحق من عظم الله حقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، ولولا أنه وعد صادق ، وموعود جامع ، وأن الآخر تابع للأول؛ لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون ” .